في صحيفة ذا أتلانتك كتب جون فاينر أنه يتفهم أن تكون العلاقة بين الحكومة و الرئاسة علاقة مضطربة لأن صميم عمل كل منهما متعارض تماما إلا أنه يرى أن دونالد ترامب تحديدا تختلف "نوعية" هجماته على الصحافة عن سابقيه.
وصف دونالد ترامب الجمعة الماضية الصحافة بأنها " عدو الشعب الأمريكي" يقول فاينر "إن ترامب هو أول رئيس للجمهورية يشكك في العلن في مكانة الصحافة في المجتمع الأمريكي.
كان جون فاينر مرافقا لإحدى وحدات مشاة البحرية الأمريكية في العراق،حيث كان من صميم عمله تغطية الأحداث و تعامل بين عامي 2017 مع وزارة الخارجية والبيت الأبيض في عهد أوباما، وكان يتعامل باستمرار مع زملاء الصحافة السابقين الذين كانوا يغطون جهودهم.
قبل اجتياح العراق ،قرر البنتاجون السماح للمراسلين بمرافقة الوحدات العسكرية لأول مرة منذ حرب فيتنام ،آنذالك حذر منتقدون من أن المراسلين سوف يصبحون مجرد داعمين لحدثٍ يستحق التدقيق الجاد وتفعيل المهنية ، حيث من الصعب البقاء حياديًا عندما تتنقل وتتآكل بين الأشخاص الذين يدافعون حرفيًا عن حياتك.
لكن بينما لم تستطع الصحافة في توجيه أسئلة جادة لمبررات إدارة بوش للغزو، إلا أنه بمجرد بدء الحرب تقريبًا تناقضت التقارير التي تصف ما يحدث على الأرض بشدة عن الرواية الرسمية للإعلام . فإذا كنت تصدق الصحف الكبيرة وشبكات التليفزيون فإنك كنت لتعلم أن البلاد تتجه إلى حربٍ أهلية، أما إذا كنت تستمع إلى المؤتمرات الصحفية التي تعقد بالمنطقة الخضراء، فقد كنت لتجزم أن العراق، والشرق الأوسط بكامله، كان على أعتاب نهضة كبرى.
هذا الإنقسام انتهى لصالح الصحافة وهو ما جسدته مقولة دان سينور، المتحدث باسم الولايات المتحدة في بغداد: "بشكل غير رسمي" :البلاد تحترق .بشكل رسمي : "الاستقرار والأمن يعودان إلى العراق".
كانت إدارة بوش تعلم أن مراسلي العراق ليسوا تابعين لها، لكنها حاولت استخدامهم لخدمة أغراضها . كانت الصلاحيات أكبر من أي وقت مضى ،و قد أثبتت النظرية صحتها و هي ،أنه من الأرجح أن يتأثر المراسلون بمن يخاطرون بحياتهم من أجل بلادهم مقارنةً بالضباط الكبار الذين يصرحون ببياناتٍ من قاعدةٍ عسكرية بعيدة عن الخطوط الأمامية. في النهاية، نجح ذلك الترتيب للطرفين. مالت التغطية المرافقة إلى أن تكون أكثر إيجابية، لكنها أنتجت أيضًا تقارير مهمة و تدق ناقوس الخطر ،بشأن قضايا مثل الخسائر الأمريكية وقتل المدنيين العراقيين ،ساعدت في تحويل الرأي العام ضد الحرب.
أما بالنسبة لعلاقة أوباما بالصحافة فعلى الرغم أنها خلت تقريبا من المواجهات و الصدمات المباشرة إلا أنها لم تخل من اضطرابات، حيث أشرفت إدارة أوباما على استخدامٍ أكثر اعتيادًا لأدوات إنفاذ القانون ضد الصحفيين، وهو ما يعتبره أحد الجوانب القليلة التي لا يفخر بها. يذكر فاينر أنه خلال فترة عمله بالإدارة كان يحترم بشدة عمل الصحفيين الذين يغطون وزارة الخارجية، لكنه كان يشكو بين حينٍ وآخر من بعض التغطيات، حتى أنه قرر يومًا منع مراسل إحدى الصحف من الطيران إلى أوروبا على طائرة وزير الخارجية كيري لأنه سرب معلومات حصل عليها لم تكن للنشر.
لكن من الواضح، يتابع فاينر، أن الصدام الحالي بين ترامب وصحافة واشنطن هو خروجٌ مثير للقلق عن تلك السوابق.
أولًا، لا يبدو أن المقصود من هجوم ترامب المحسوب على الصحافة هو التأثير على التغطية، وإنما تدمير مصداقية الإعلام حتى يتمكن انتزاع دوره التقليدي كحكمٍ بين الحقائق التي يتم اتخاذ القرارات على أساسها. إذا كان الهدف هو إنتاج تغطيةٍ أفضل فقط فإنه لن يكون من المنطقي تسمية الصحافة "أخبار زائفة"، وهو ما يوصي الناس بعدم تصديق أي شيء تورده. لكن إذا، في المقابل، كنت ترغب في صنع الواقع الخاص بك حتى تبدو أجندة غير منطقية أكثر منطقية.
ثانيًا، يرجع اختيار ترامب لتعبير "أعداء الشعب"إلى أفق تاريخي مشؤوم في المجتمعات الأخرى كمقدمةٍ للعنف. كما هو الحال مع تبنيه لشعار "أمريكًا أولًا"، والذي ظهر في الثلاثينيات بين المتعاطفين مع النازية المعارضين لتدخل الولايات المتحدة ضد هتلر، فمن غير الواضح ما إذا كان ترامب يعطي إشارة لقوىً الظلام في المجتمع أو أنه وجد فقط ما اعتبره شعارًا جيدًا. في كلتا الحالتين، ليس هناك ما يدعو إلى توقع أن يتخلى عن ذلك التعبير، حتى إن كان يعلم مصدره.
ثالثًا، بينما يرجح الاحتمال بأن الرؤساء الأمريكيين السابقين قد انتقدوا مراسلين بعينهم، بشأن قضايا محددة، إلا أنه لم يسبق لهم أبدًا التشكيك في الصحافة كمؤسسة بهذا الشكل.
يشير الاتحاد الدولي للصحفيين إلى مستوياتٍ تزداد ارتفاعًا من العنف ضد العاملين في الإعلام منذ أن بدأ في جمع الإحصاءات عام 1990. سجل هذا العام مقتل 40 صحفيًا على مستوى العالم، بينما لم يقل الرقم عن 100 طوال العقد الماضي.
يتساءل فاينر عما إذا كان ترامب قد فكر في التأثير الذي قد يكون لتصريحاته على الأنظمة الاستبدادية حول العالم التي تعتقل الصحفيين بمعدلاتٍ متسارعة.
كان وزير الخارجية كيري يثير هذه القضايا، والتي كان بعضها يخص مواطنين أمريكيين، في مقابلاته مع نظرائه من الدول الأخرى، حيث كان ينجح أحيانًا. الآن يبدو من الصعب تصور أن يكون لمثل تلك المناشدات، إذا كانت إدارة ترامب مستعدة للقيام بها، وإذا كان رئيس الدولة الوحيدة التي لديها التعديل الأول للدستور يستطيع اعتبار الصحافة ليست فقط عدوه وإنما عدو الشعب الذي يمثله، فإنه ليس هناك الكثير الذي يمكن القيام به لمنع الدول الأخرى، التي تقل لديها ضمانات حرية التعبير، من القيام بالمثل.
المصدر :
https://www.theatlantic.com/politics/archive/2017/02/a-dangerous-time-for-the-press-and-the-presidency/517260/?utm_source=atlgp
Topics that are related to this one