من مشاهد الأطفال الذين يكافحون للخروج من تحت الأنقاض، إلى صور المسنين الذين فقدوا أحبائهم والعائلات التي تم محوها بالكامل، عرضت الحرب على غزة خلال الأشهر التسعة الماضية أحداثًا مروعة لا يمكن تجاهلها. وبينما كانت هناك لقطات حقيقية تعكس المعاناة الإنسانية الهائلة، ظهرت أيضًا بعض الصور المزيفة والتضليل المتعمد باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
رغم وجود مشاهد حقيقية من قلب المأساة، لجأ البعض إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد صور للأطفال والمسنين. وعلى الرغم من أن نوايا هؤلاء الأشخاص قد لا تكون ضارة، إلا أن هذا الاستخدام المكثف للصور المولدة بالذكاء الاصطناعي أدى إلى خلق حالة من الفوضى في انتشار المعلومات، حيث تداول الكثيرون هذه الصور دون وعي بحقيقتها، مما زاد من تعقيد الصورة الحقيقية للصراع والمعاناة الإنسانية.
كلب إسرائيلي ينهش جسد مسنة فلسطينية
آخر مثال على هذه الأزمة هو صورة انتشرت خلال الفترة الماضية (من 26 يونيو 2024) والتي تظهر سيدة فلسطينية مسنة تتعرض لهجوم من كلب إسرائيلي. تداولت تلك الصورة حسابات ناطقة باللغتين الإنجليزية والعربية، وحصدت تفاعلًا واسعًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
نتج عن استخدام هذه الصورة المعدلة بالذكاء الاصطناعي، والتي ولدها حساب باسم "in.visualart" على "إنستجرام"، تشكيك في صحة القصة من قبل بعض الأشخاص، على الرغم من أن القصة حقيقية ومصورة بالفعل، فقد حصلت "الجزيرة"، على مقاطع مسربة من هجوم الكلب، ونشرتها بتاريخ 25 يونيو 2024.
الخيام تغرق في الأمطار.. وأطفال لحافهم الطين
في بداية عام 2024، نشرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (UNRWA)، تقريراً يوضح أن عدد النازحين من غزة وصل في 22 يناير 2024 إلى 1.7 مليون نازح. يشمل هذا الرقم مليون فرد يقيمون في أو بالقرب من ملاجئ الطوارئ أو الملاجئ غير الرسمية. شاركت الأمم المتحدة والمواقع الإخبارية لقطات واقعية من معاناة النازحين في الملاجئ مع هطول الأمطار خلال هذا الوقت.
©AFP
©UN
©AFP
على الرغم من وجود تلك المشاهد، انتشرت في نفس الفترة بعض صور المولدة بالذكاء الاصطناعي لأطفال غزاويين ينامون في خيام متهالكة بسبب الأمطار وعلى الطين. لاقت تلك الصور انتشاراً واسعاً حتى أن عضو مجلس النواب والإعلامي مصطفى بكري، شاركها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس".
يمكن التأكد من أن هذه الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي، باستخدام أداة "is it Ai"، التي أظهرت - لمعدة التقرير - أن هذه الصور مولدة بالذكاء الاصطناعي بنسبة حوالي 95%.
بينما في الصورة التالية يمكن ملاحظة التشوهات في أقدام الأطفال بالعين المجردة، حيث تبدو أقدامهم أشبه بالرسوم المتحركة.
إفطار فوق الحطام
لا تتسم جميع الصور التي يتم تداولها بالمأساة بعضها، يتخلله الأمل، مثل صورة تظهر فيها عائلة غزاوية تجتمع على طاولة واحدة لتناول الطعام على الرغم من الدمار الذي يحيط بهم.
يمكن التعرف على أنها هذه الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي فقط بالنظر إلى ذراع صبي من الجالسين على الطاولة، حيث يبدو أن لديه ذراعين من نفس الكتف، هذا بجانب الملامح المشوهة.
مرة أخرى يقع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، في فخ استخدام الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، على الرغم من وجود محتوى حقيقي وواقعي يصور نفس المشهد. مع العلم أن فريق "أخبار ميتر"، لم يستطع الوصول إلى مصدر هذه الصورة الأصلي.
درس في الصبر والأمل
في محاولة لـ "رمسنة" معاناة أهل غزة شارك البعض صورة لأب غزاوي مع بناته وهم يتشاركون لحظة سعيدة في منزلهم الذي أصبح ركاماً نتيجة الغارات.
ولكن مرة آخرى، تكشف تشوهات الأصابع استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد هذه الصورة، حيث يظهر في الصورة أن إحدى البنات لديها أربعة أصابع في يدها، بينما تمتلك أختها الصغيرة ثلاثة أصابع في قدمها.
الإبتسامة في وجه الحرب
هذه المرة، كانت ضحية الذكاء الاصطناعي التوليدي، الفنانة المصرية فيفي عبده، التي شاركت عبر حسابها على إنستجرام صورة لثلاثة أطفال من غزة يبتسمون رغم الدمار والحرب.
باستخدام أداة "Hugging Face"، لتحليل الصور، تبين أن الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي بنسبة 91%.
مكافحة التضليل في عصر الـ AI
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال مفهوماً حديثاً نسبيًا، إلا أن أوروبا اتخذت خطوات بالفعل لتنظيم استخدامه. في 13 مارس 2024 أصدر الاتحاد الأوروبي، بياناً يعلن فيه أن البرلمان وافق على قانون الذكاء الاصطناعي الذي يضمن السلامة والامتثال للحقوق الأساسية، مع تعزيز الابتكار.
بموجب هذا القانون تُحظر بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تهدد حقوق المواطنين، بما في ذلك أنظمة تصنيف البيومترية القائمة على خصائص حساسة وجمع صور الوجه من الإنترنت أو تسجيلات كاميرات المراقبة بشكل غير موجه لإنشاء قواعد بيانات للتعرف على الوجوه.
كما ينص القانون على بعض المتطلبات المتعلقة بالشفافية، حيث يلزم القانون الإفصاح بوضوح عن استخدام الصور أو الصوت أو الفيديو المصطنعة أو المعدلة "Deep Fakes". يأتي هذا القانون استجابةً لمقترحات المواطنين من مؤتمر مستقبل أوروبا (COFE)، وتحديدًا المقترح 12(10) بشأن تعزيز تنافسية الاتحاد الأوروبي في القطاعات الاستراتيجية، والمقترح 33(5) بشأن مجتمع آمن وجدير بالثقة، بما في ذلك مكافحة المعلومات المضللة وضمان أن يكون البشر في النهاية في السيطرة، والمقترح 35 بشأن تعزيز الابتكار الرقمي، (3) مع ضمان الإشراف البشري و(8) الاستخدام الجدير بالثقة والمسؤول للذكاء الاصطناعي، ووضع ضمانات وضمان الشفافية، والمقترح 37 (3) بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية لتحسين وصول المواطنين إلى المعلومات، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة.
مصادر الادعاء
مصادر التحقق
يتيح فريق أخبار ميتر المساحة المناسبة لرد الأشخاص المعنيين والجمهور على المعلومات الواردة في عملية تقصي الحقائق بتصحيحها أو رفضها بشفافية كاملة. يمكن التواصل معنا عبر بريد الموقع الإلكتروني أو صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي. كما يتكفل الفريق بإجراء التصحيحات اللازمة حال التأكد من صحة المعلومات وقبولها في أسرع وقت ممكن.