تأثير النظم السياسية على حرية الصحافة

للصحافة صلة وثيقة بنوع النظام السياسي السائد فى المجتمع الذي تنشأ فيه، فالحرية الصحفية والقدرة على التعبير، واحترام الصحافة وإجلالها والنظر إليها باعتبارها صاحبة الكلمة العليا فى تكوين الرأى العام وتوجيهه، وصاحبة القدرة للتأثير على مراكز صنع القرار لها فى المجتمع، كل هذا منوط فى المقام الأول بنوع النظام السياسي السائد الذى تُمارس فيه المؤسسات الصحفية والإعلامية نشاطها.

وللنظام السياسى نوعان:

 نظام ديمقراطى :

وهو الذي تتيح سياساته مناخ حر تستطيع فيه الصحافة أن تمارس مهامها الأساسية فى التعبير عن الرأى ونقد سياسات الدولة وتنبيه الرأى العام لمساوئ ومميزات قرارات مراكز صنع القرار بها، وهو ما يوفر لها قدراً من المرونة والموضوعية والحيادية والقدرة على تغطية كل الأخبار المهمة وعدم حجب أى معلومات عن العامة، فضلاً عن قدرتها على إنشاء أبواب صحفية خاصة متعلقة بمقالات الرأى والكتابات الخاصة، والتى يستطيع أن يُعبِر فيها الكُتاب والصحفيون عن آرائهم بدون تخوف أو قلق من ردود أفعال الحكومات من حبس أو اعتقال، ولذلك يطلقون العنان لأقلامهم لتحلل الأوضاع وتتناول السياسات الداخلية والخارجية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالتحليل الدقيق والنقد البنّاء،

 أما النوع الآخر، فهو ما يُطلَق عليه النظام السلطوي، أو نظام الحكم الشمولي:

 حيث لا تتعد المؤسسات الحاكمة فيه، وهو ما يحول دون حدوث فصل للسلطات، مما يؤدى إلى تمركز السلطة فى يد مؤسسة واحدة، وأحياناً حزب واحد، أو حتى شخص واحد فقط، بما يؤدي إلى شخصنة الحكم وتحكم الأهواء الشخصية فيه، وفى ظل مناخ مثل هذه، تُوضَع قيود قوية على الحرية الصحفية، بحيث تُمنَع الصحافة من نشر المعلومات الدقيقة المتعلقة بأهم القضايا السياسية والاجتماعية والسياسية، وإنما تقوم بتغطية ما يُسمَح لها بتغطيته فحسب، بينما تحجب باقى المعلومات عن الجمهور، كما تُستَخدَم الصحافة فى كثير من الأحيان إلى أداة فى يد النظام لتمرير قراراته ولتحقيق التعبئة الاجتماعية بشحذ الجمهور خلفه، حتى يستمر فى دعمه وامداده بالشرعية.

تستطيع الصحافة تغيير توجهات الرأى العام فى النوع الأول من الأنظمة السياسية، حيث يُتاح لها القدرة على التأثير فيه بمساحة الحرية الهائلة الموجودة أمامها، أما فى النوع الثانى لا تقدر على تحريك الرأى العام أو التأثير فى توجهاته إلا بما يرتضى النظام الحاكم، مع إن الأمثلة التاريخية الصحفية قد أثبتت إن الأمر نسبي للغاية، فنجد إنه فى أكثر الأنظمة ديمقراطية، أمريكا، لم تسطع الصحافة تغيير الرأى العام تجاه الغزو الأمريكى للعراق، بسبب حمل بوش للصحافة والرأى العام على تصديق ضرورة الحرب الأمريكية العراقية وأهميتها للمصلحة القومية الأمريكية.

من أهم أمثلة الأنظمة السلطوية التى تؤثر على الصحافة، نظام كوريا الشمالية، والذي تنحصر فيه المؤسسات الإعلامية والصحفية فى المؤسسات الموالية للنظام الشمولي الحاكم والداعمة له، والتى لا تنشر أى أخبار سوى ما يتعلق بالشأن الداخلى لكوريا الشمالية، وأغلبها مقالات عن مدى صحة قرارات النظام ووجوب تقدير الزعيم واحترامه، مع عدم توفير أى منافذ أخرى للجمهور للاطلاع على العالم!

من ثم، يمكننا الجزم بإن ثمة علاقة تأثُر واضحة بين الصحافة، وبين طبيعة النظام السياسي السائد.