الصحافة وصناعة الرأى العام

تؤثر الصحافة فى الرأى العام تأثيراً واضحاً جلياً لا يمكن إنكاره، فالصحافة هى منبر حرية التعبير، ومنصة الرأى، وحلقة الوصل بين جمهور القُراء وبين الحقيقة، ونافذة عقولهم على المعرفة، ولذلك فهى سبباً رئيسياً فى بلورة اتجاهاته، وتكوين رأيه ورؤيته لوقائع الأمور، وهو ما يفرض معايير المهنية من موضوعية وحيادية صحفية على الكتابة، لإن الكثيرين يعتمدون على هذه الكتابات، وهو ما يستوجب ضرورة الالتزام بالموضوعية فى صنع الآراء.

وتؤثر الصحافة فى الرأى العام من حيث توضيح الشئون الداخلية والخارجية أمامه، وطرح القضايا فى حُلتها الحقيقية، لكن بدون القيام بمحاولات معينة لتوجهيه للإيمان برأي ما أو اتجاه واحد، إن هذا يحيد بها عن رسالتها المهنية السامية.

كانت المؤسسات الصحفية والإعلامية سبباً كبيراً فى اشتعال الاحتجاجات وقيام الثورات والتظاهرات ضد القرارات الحكومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، سواء أكانت داخلية أم خارجية، وأهم مثال على هذا، هو اشتعال الاحتجاجات فى أمريكا إزاء حرب فيتنام لمطالبة الرأى العام للحكومة بعودة القوات الأمريكية من هناك نظراً للخسائر المهولة التي تكبدتها أمريكا فى هذه الحرب، سواء على صعيد الأموال والأرواح، والتى سلط عليها الإعلام عامةً والصحافة خاصةً بقعة كبيرة من الضوء، لإبراز مساوئها وعيوبها للرأي العام، وبيان حقيقتها التى كانت تُدارى أمريكا سوءتها، بحيث تؤكد إنها حرب تصب فى المصلحة القومية الأمريكية وتخدم الشعب الأمريكي، وهو ما نفته الصحافة الأمريكية التى قامت بتحليل الموضوع على أسس بيانية من الواقع، حيث رصدت حجم الخسائر التى أصابت أمريكا جرّاء الحرب، وأرسلت مراسليها إلى هناك من أجل تغطية شاملة من قلب الحدث، وهو ما أدى إلى خروج الكثير من الاحتجاجات فى أمريكا مُطالبةً بإنهاء الحرب والكف عن التدخل فى الشأن الداخلي للدول الأخرى عسكرياً.

لا يُعد هذا هو المثال الوحيد المتاح للتدليل على أثر الصحافة على تكوين الرأى العام، فأكم من قضية فساد كشفتها الصحافة، وأكم من قرار مجحف نبهت الأنظار إليه، وأكم من اختيارات حكومية غير مفهومة بينت كُنهها وكشفت عن غموضها.

وبالرغم من هذا، إلا إن الأمر يُعد سلاح ذو حدين، حيث قد تودى قدرة الصحافة على التأثير فى الرأي العام إلى استخدام المغرضين ممن يرغبون فى تقويض الدولة وهدم دعائمها ئ ببث أخبار مغلوطة أو شائعات أو مقالات رأي تحليلية تنال من تماسك الرأى العام ومن دعمه لحكومته، وهو ما يقوض شرعية النظام بطبيعة الحال، أو قد تؤدى إلى استخدام الحكومات للصحافة من خلال تكوين أداة دعائية قوية تسعى لشحذ الرأى العام خلفها وتكوين قاعدة أساسية من التعبئة الاجتماعية بغرض تمرير القرارات غير المرغوب فيها.

ستظل الصحافة معياراً أساسياً للتأثير على الرأي العام، سواء بالسلب أو الإيجاب، خصوصاً مع تداخل الصحافة فى التكنولوجيا و اقتحامها لمجال السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الاجتماعى، حيث تخاطب قاعدة جماهيرية كبيرة فى أنحاء متفرقة من البلاد وفى أوقات قليلة!