في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي لعام 2024، أثار تكريم المخرجة الفرنسية - السنغالية ماتي ديوب جدلاً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الثقافية المصرية. بسبب انتمائها لحركة المركزية الأفريقية (الأفرو سنتريك)، فما هي هذه الحركة؟ وما علاقتها بمصر القديمة؟
ما هي حركة الأفروسنتريك وما أهدافها؟
- تأسست المركزية الأفريقية في الولايات المتحدة عام 1928، وتأثرت بـالحركات القومية السابقة مثل القومية الإثيوبية والقومية الأفريقية.
- هي توجه فكري وثقافي يسعى إلى إعادة تعريف التاريخ من منظور أفريقي، معتبرة أن الحضارة الأفريقية هي الأساس للحضارة الإنسانية.
- ازدهرت حركة الأفروسنتريك بشكل ملحوظ خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، بالتزامن مع صعود حركات التحرر الوطني في أفريقيا، وتزايد انخراط المثقفين والأكاديميين من أوروبا والولايات المتحدة في دعم قضايا الهوية الأفريقية. وتهدف الحركة إلى القضاء على الهيمنة البيضاء في أفريقيا خاصةً شمال وجنوب أفريقي.
-من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تعزيز هذا الاتجاه، موليفي كيتي أسانتي، الذي أسس معهد دراسات الأفروسنترية وساهم في تطوير النظرية الأكاديمية للحركة، بالإضافة إلى شِكْلانْ جَيهِز، صاحب كتاب "الجذور الأفريقية"، الذي سلط الضوء على تأثير التراث الأفريقي في تشكيل الهوية الثقافية للسود في الشتات.
في تعريفه للمركزية الأفريقية، يصف موليفي أسانتي، أحد أبرز منظّري الحركة، بأنها منظور فكري يضع الشعوب الأفريقية (جنوب الصحراء) في قلب تاريخ البشرية، بدلًا من اعتبارها هامشًا لثقافات أخرى. يرى أسانتي أن هذا النموذج يعكس الارتباط العميق للأفارقة بجذورهم الثقافية.
ما علاقة الأفروسنتريك بمصر القديمة؟
- اكتسبت أفكار الأفروسنتريك مساحة واسعة من النقاشات في العقود الأخيرة، بفضل كتابات موليفي أسانتي، التي ترفض في مجملها كل ما هو غير أفريقي أسود.
وضع أسانتي، أفكاره الرئيسية في ثلاثيته: "أفروسنترستي" (1980)، و"فكرة المركزية الأفريقية" (1987)، و"كيميت، أفروسنترستي، والمعرفة" (1990).
هل قامت الحضارة الفرعونية على أكتاف الأفارقة؟
يرى أسانتي أن الحضارة الفرعونية قامت على أكتاف الأفارقة، مستشهدًا بكتابات المفكر السنغالي الشيخ أنتا ديوب حول "الأصل الزنجي" للحضارة المصرية القديمة.
- يزعم أن الهجرات القديمة كانت إلى الجنوب الأفريقي، مستدلًا بانسياب نهر النيل من الجنوب إلى الشمال.
- الهجرات القديمة كانت إلى الجنوب الأفريقي وليس إلى الشمال، وأن المصريين القدماء في الأساس قادمون من الجنوب الأفريقي، مستدلا بانسياب نهر النيل من الجنوب إلى الشمال.
- يعتقد أن كل العلوم الغربية الحالية مصدرها مصر القديمة، التي يزعم بأنها "أمة أفريقية سوداء".
- مصر القديمة تعني "كيميت" أي الأرض السوداء أو الأرض التي تعود إلى الشعوب السوداء الضاربة في أعماق أفريقيا.
ما موقف الأفروسنتريك من الأديان السماوية؟
- يرفض موليفي أسانتي في العديد من كتبه وأبحاثه الديانات السماوية مثل الإسلام والمسيحية واليهودية، حيث يعتبرها جزءًا من الهيمنة الثقافية الغربية التي تساهم في إبعاد الهوية الأفريقية عن جذورها الأصلية.
- كبديل لهذه الديانات، يدعو إلى الإيمان بالأساطير الأفريقية القديمة سواء في مصر كأسطورة "إيزيس وأوزوريس" الفرعونية، أو أسطورة "ماو وليزا" المنسوبة لغرب أفريقيا.
- يرى أسانتي أن هذه الديانات لا تمثل القيم أو الأفكار الخاصة بالأفارقة، بل إن الأفروسنترية تروج لإحياء التقاليد الأفريقية الأصلية، بما في ذلك الأساطير والديانات التي كانت سائدة في القارة قبل انتشار الأديان السماوية.
هل الأهرامات المصرية دليل على الأصول الأفريقية للحضارة؟
تلعب الأهرامات دورًا محوريًا في فكر حركة "الأفروسنتريك" من الناحيتين التاريخية والحضارية. يرى موليفي أسانتي أن الحضارة الإنسانية بدأت من الأهرامات المصرية التي يعتبرها من صنع "الزنوج"، وهي، وفق رأيه، تجسيد لإنجازات في مجالات كالفلك، والعمارة، والتحنيط.
يجادل أسانتي بأن الأهرامات المصرية، جنبًا إلى جنب مع تلك الموجودة في السودان وبلاد النوبة، لا مثيل لها في أي مكان آخر بالعالم. يشير إلى أن هذه الأهرامات بُنيت قبل الميلاد بفترة طويلة، وقبل ما يُطلق عليه "الغزو العربي العسكري" لمصر وأفريقيا.
بالنسبة له، تمثل الأهرامات البداية الحقيقية للحضارة الإنسانية، خلافًا للرؤية الغربية التي تعتبر أثينا مهد العلوم والفنون.
ما علاقة موسيقى الهيب هوب بالأفروسنتريك؟
انعكست أفكار "الأفروسنتريك" بشكل بارز على موسيقى الهيب هوب، حيث ظهرت في كلمات مغنيي الراب الأميركيين من أصول أفريقية مثل كوين لطيفة، وآيس كيوب، وفرقة براند نوبيان. ورغم تراجع حدة الجدل منذ التسعينيات، فإن الفكر الأفروسنتركي لا يزال حاضرًا بقوة في الثقافة الأميركية الإفريقية. مؤخرًا، امتدت تأثيرات الحركة إلى السينما، والموضة، والغناء، كما يتضح من تبني شخصيات بارزة مثل كيفين هارت لهذه الأفكار.
ما هي أبرز الشخصيات في حركة الأفروسنتريك؟
شيخ أنتا ديوب: مؤرخ سنغالي، من أبرز لمؤيدين لفكرة أن الحضارة المصرية ذات أصول أفريقية. من أشهر مؤلفاته "الأصول الأفريقية للحضارة: خرافة أم حقيقة؟".
موليفي كيتي أسانتي: أكاديمي أمريكي، يُعد من أوائل من أسسوا مفهوم "الأفروسنتريك" في الدراسات الأكاديمية الحديثة.
كيف أثرت أفكار الأفروسنتريك في الثقافة الشعبية؟
الفن والسينما: برزت الحركة في أفلام وبرامج مثل الوثائقي "كليوباترا" الذي عُرض على نتفليكس في 2023، وأثار جدلًا لاختيار ممثلة سوداء لتجسيد كليوباترا.
المعارض الثقافية: معرض "كيميت: مصر في الهيب هوب والجاز والسول والفانك" في هولندا يربط بين الثقافة المصرية والفنون الأفريقية، ما أثار انتقادات بشأن محاولات طمس الهوية المصرية.
علاقة الأفروسنتريك بمصر القديمة؟
تروج الحركة لفكرة أن الحضارة المصرية تأسست على أيدي أفارقة سود. كما يشككون في الانتماء العرقي للمصريين الحاليين، مؤكدين أن مصر القديمة كانت متصلة بأفريقيا السوداء. يدعمون ذلك عبر معارض مثل "كيميت"، الذي احتوى على مقتنيات مثل قناع للملك توت عنخ آمون بملامح أفريقية، ما أثار غضب المصريين.
ما هو موقف المصريين من الأفروسنتريك؟
- منصات التواصل الاجتماعي المصرية كانت في طليعة المواجهة مع "الأفروسنتريك". كما أبدى علماء آثار مثل زاهي حواس رفضهم لهذه الأفكار وكذلك دراسة أكاديمية مصرية شددت على أن مصر الحديثة خليط من قوميات وحضارات عدة، منها أيضا العرب والأتراك واليونان والرومان وغيرهم.
هل تدعم الأدلة الجينية المزاعم الأفروسنتريكية؟
أوضحت دراسات جينية مثل تلك التي نشرتها "Nature Communications" عام 2017، والتي أظهرت ارتباط المصريين القدماء بشعوب شرق المتوسط. تؤكد الأدلة الأثرية أن مصر القديمة كانت ملتقى لثقافات متعددة.
ما علاقة فيلم كليوباترا بحركة الأفروسنتريك؟
- في مايو 2023، أثار فيلم وثائقي لنتفلكس حول كليوباترا جدلًا بسبب اختيار ممثلة سوداء. رد زاهي حواس مؤكدًا أن كليوباترا لم تكن سوداء، معتبراً الفيلم جزءًا من محاولات الأفروسنترية لتغيير الحقائق التاريخية.
هل كرم مهرجان القاهرة السينمائي مخرجة تابعة للـ"أفروسنتريك"
في نوفمبر 2024، واجه مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، هجومًا بسبب دعوة المخرجة السنغالية ماتي ديوب، التي ارتبط اسمها بحركة "الأفروسنتريك". ومن جانبه علق الناقد الفني عصام زكريا، مدير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، على الانتقادات التي تعرض لها بعد تكريم المخرجة، خلال تصريحات لبرنامج "مصر جديدة"، مع الإعلامية إنجي أنور، عبر فضائية "etc".
وأكد زكريا، أن موضوع "الأفروسنتريك" ليس بمثابة حرب بيننا وبين الآخرين، بل هو عبارة عن آراء يتم الرد عليها، مضيفًا أنه يرى مبالغة في النظر لهذا الموضوع، سواء من جانب المهرجان أو الأسماء المرتبطة به
الخلاصة
تظل حركة "الأفروسنتريك" موضوعًا جدليًا، حيث تتشابك الأبعاد الثقافية والسياسية لتفسير التاريخ. يتطلب الأمر توازنًا بين الحقائق التاريخية والرؤى الأيديولوجية لفهم أعمق للتراث الإنساني.
المصادر