على الأغلب أنك تابعت أو سمعت عن القضية الشهيرة بين الممثل جوني ديب وزوجته السابقة الممثلة آمبر هيرد، وهذا لأن منصات التواصل الاجتماعي تداولت مؤخرًا بكثرة أخبار وتفاصيل عنها. كما أنه من المرجح أنك كونت رأيًا من خلال متابعتك لهذه الأخبار على وسائل التواصل.
بغض النظر عن الطرف الذي أيدته؛ هل كان رأيك موضوعيًا، ووفقًا للأدلة التي عرضت من دفاع الطرفين؟ أم تم التلاعب بسياق ما يعرض لك، دون أن تشعر؟
ربما لم نشهد من قبل قضية مثل هذه القضية، بالإضافة إلى أن بثها مباشرةً على منصات عدة؛ جعلها أشبه بمسلسل درامي ينتظره الجمهور للتسلية وصنع لقطات ساخرة، دون اعتبار إلى أن أساس القضية هو موضوع "العنف المنزلي" المؤلم.
وخلال التغطية الإعلامية للقضية، والتي أطلق عليها العديد مصطلح "السيرك الإعلامي"، لم يسلم الكثيرون من تكوين رأي منحاز، بسبب عدة عوامل تعرضوا لها خلال متابعتهم لأحداث القضية.
وفيما يلي سنعرض بعض المؤثرات التي نتعرض لها، وقد تتسبب في تكوين آراء منحازة لدينا؛ وذلك لنتجنبها فيما بعد عند متابعة أي صراع بين طرفين:
قد يرجع أحد أسباب تأييد ديب أو هيرد، إلى ما يطلق عليه "Parasocial Relationships"؛ وهي علاقة من طرف واحد (في هذه الحالة الجمهور)، يكن فيها مشاعر وروابط تجاه شخصيات لم يتعامل معها على أرض الواقع (الشخصيات العامة والمشهورة).
وهذا يدفع المعجبين إلى تأييد الشخص المشهور والدفاع عنه، وعدم تصديق أي شيء من شأنه انتقاص قدره.
يتوقع الناس من الضحايا (النساء تحديدًا) أن يكونوا فاضلين ومسالمين لا يردوا الإساءة بالإساءة، وفي حالة هيرد فهي لا تنطبق عليها هذه المعايير، لهذا لم تحظى بالتأييد من فئة من الناس، بل وتم مهاجمتها من البعض.
وهنا نستطيع أن نرى الكيل بمكيالين؛ لأن جوني أيضًا لم يكن الضحية المثالية؛ ومن خلال متابعة المحاكمة نستطيع أن نرى أن لديه مشكلة واضحة مع المخدرات. كما أن هناك رسائل ظهرت تدل على استخدامه لهجة عنيفة عندما تحدث عن آمبر مع صديقه الممثل بول بيتاني؛ ومع ذلك كانت شريحة كبيرة من الناس تدعم جوني بل وتبرر له بعض تصرفاته غير المسؤولة في بعض الأحيان.
اتجه معظم الناس لمتابعة مستجدات قضية ديب وهيرد، عن طريق مقاطع الفيديو الصغيرة والمجمعة وأيضًا من خلال الميمز (الصور/ الفيديو الساخر) على هذه المنصات، بدلًا من مشاهدة البث الحي للمحاكمة كاملًا؛ فذلك أسهل وأوفر في الوقت.
وتكمن المشكلة هنا أن أغلب هذه المقاطع تم التلاعب بها، واقتطاعها من سياقها؛ وذلك لإيصال فكرة معينة، أو لأن طبيعة هذه المنصات تحتم على المستخدمين تقليص مدة الفيديو.
واهتمام معظم المستخدمين بهذه القضية؛ شجع العديد من ناشري المحتوى على المشاركة فيه سواء بالتحليل أو المقاطع المضحكة، مما ضاعف من عدد متابعيهم وزاد من أرباحهم.
صحيح أن هناك نظريات تفيد أن جزء من داعمين جوني على السوشيال ميديا هم بوتس Bots، لكن يجب أن نعترف أن جوني ديب يحظى بشعبية كبيرة كممثل أكثر من آمبر هيرد، وذلك بحكم سنين الخبرة وعدد الأعمال التي شارك فيها، وهذا يعني أشخاص مهتمين به ويتحدثون عنه أكثر من هيرد. ولا بد أنه صادفك على هذه المنصات منشورات يدعم فيها المعجبون جوني ديب في قضيته، أكثر من المنشورات التي تؤيد هيرد.
ويأتي دور الخوارزميات هنا؛ لأنها ستقترح عليك مشاهدة محتوى مشابه للمنشورات أو مقاطع الفيديو التي شاهدتها بنسبة أكبر من غيرها، كما أنها ستقصى عنك أي محتوى مختلف ويقدم وجهة نظر أخرى. وبالطبع أثر ذلك علينا جميعًا لأن هذه المنصات حجبت عنا رؤية الأشخاص المعارضين لنا في الفكر، وهذا قلل من رغبتنا في الاستماع وفهم الأمور من زوايا مختلفة عن ما نؤيده.
ووفقًا للأرقام فإن وسم #JusticeForJohnnyDepp حصل على 11 مليار مشاهدة عالميًا، في حين أن #JusticeForAmberHeard حصل على 41 مليون مشاهدة.
كانت هناك فئة من الرجال تؤيد جوني فقط لكونه رجلًا، وتهاجم آمبر لأنها امرأة. وعلى الجانب الآخر كان هناك بعض النساء أيضًا يدافعن عن آمبر ويهاجمن ديب لنفس السبب.
ولأسباب كثيرة هذه الصور النمطية عند الرجال والنساء في معظم الأحيان تكون في صالح الرجل. ومن الصور النمطية الشائعة؛ النساء يكذبن أكثر من الرجال، وأن الرجال محل ثقة أكثر من النساء. وتلعب هذه الفكرة جزء كبير لدى بعض الناس في دعم جوني على حساب آمبر.
كما توجد أيضًا صورة رائجة بخصوص الضحايا، وهي أنه من المستبعد أن يكون الضحية رجل، لذلك على الصعيد الآخر لا يصدق بعض الناس ديب، لأنه ليس من الشائع أن يظهر الرجل بمظهر ضعيف، خصوصًا وأنه شخص ذو نفوذ ومال. أو على العكس تمامًا صدق جزء من الجمهور ديب لأنهم شعروا أن الرجال لم يتم تمثيلهم بالشكل الكافي كالسيدات، في الحملة الشهيرة #MeToo.
من أحد الأسباب التي عززت الآراء المنحازة ومسبباتها، هو عدم الاستعانة بخبراء متخصصين في حالات العنف المنزلي في المحاكمة؛ لأن ذلك منع معظم الجمهور من فهم طبيعة هذه الحالات وأنواعها والأعراض التي تثبت حقيقة وقوع ضرر على طرف من الطرف الآخر. وربما دفع هذا بعض الناس للسخرية من بعض الإفادات المتعلقة بحوادث العنف، والاستهانة بمضمونها (حتى وإن كانت في رأي البعض إفادات غير صادقة).
وجدير بالذكر أن بعض الأصوات أيدت حدوث عنف متبادل بين الطرفين في هذه القضية، والبعض الآخر يعترض على هذا الوصف. لكن في جميع الأحوال ربما لانعرف أبدًا من هو الشخص المسؤول عن العنف في هذه القضية أو المتسبب الأكثر بالضرر!
ونود أيضًا أن نلقي الضوء على دور الصحفيين في قضايا مثل هذه، وبالذات لأن العديد من المشاهدين لم تعجبهم فكرة البث المباشر لقضايا تحمل العديد من التفاصيل الخاصة والعنيفة بحياة شريكين. لهذا السبب قال البعض أنه كان من الأفضل أن ينقل الصحفيون هذه المحاكمة عن طريق تقديم تلخيصًا محايدًا لأهم النقاط والأدلة المقدمة من الطرفين، وهكذا يستطيع الصحفيون أن يقللوا من ضرر التفاصيل والمشاهد المؤذية، والتي قد تتسبب للبعض بصدمة أو مشاعر نفسية سيئة.
وربما قد يشعر المشاهد أن عليه ضغوط لأخذ صف أحد الأطراف، ولكن هذا غير صحيح، ليس عليك أن تؤيد أو تعارض طرف ما. وهناك بعض النصائح التي يمكن أخذها بعين الاعتبار، عندما يود أحد تكوين رأي ما في القضايا المشابهة:
وفي النهاية تستطيع أن تلاحظ أن الكاسب الحقيقي في هذه القضية؛ هي القنوات التلفزيونية وحسابات التواصل الاجتماعي، التي كسبت أموالًا باهظة من وراء تغطية المحاكمة وتحليل أحداثها.
المصادر:
Topics that are related to this one