تتجه الهيئة الناخبة التركية في عدد من دول أوروبا –يبلغ عددها 6 دول- وهم ألمانيا وفرنسا والنمسا وسويسرا والدنمارك وبلجيكا في الـ27 من شهر مارس الجاري إلى الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الشعبي الخاص بالتعديلات الدستورية المتعلقة بنظام الحكم السياسي التركى، في تحوله من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، من خلال زيادة وتوسع في صلاحيات رئيس الجمهورية، على أن يُجرى الاستفتاء الخاص بالداخل في تركيا في الـ16 من شهر إبريل القادم.
ومنذ أن تم الإعلان عن ذلك الاستفتاء وعن تلك التعديلات الدستورية، بدأت الصحف العالمية تتناوله بشكل مثير للاهتمام، نظراً لما تمثله تركيا من دولة محورية بالقرب من الشرق الأوسط، ونظراً للوضع التركى المتوتر مؤخراً، فضلاً عن الرغبة التركية فى الانضمام للاتحاد الأوروبى، بما يتحتم عليه ضرورة تناول الصحف ذات الشأن الأوروبى لهذه التغييرات الجسيمة فى النظام التركى، وآثاره فى أوروبا، حال انضمام تركيا حلف القارة الأوروبية العجوز.
ويتشكل الطابع الصحفي فى تناولها للشأن الخارجي وفق رؤية هذه الدولة للشأن الخارجي فى كثير من الأحيان، وبرغم ما يمثله هذا من حياد عن الحيادية، وبالرغم من تخلله لبعض الاتجاهات الصحفية الموضوعية التى تتولى تحليل الأمور بحيادية، إلا إنه يمثل حقيقة واضحة، وهو إن الاتجاهات السياسية الخارجية تطغى على التحليل أو التناول الصحفي للشئون السياسية الخارجية الدولية، ونرى هذا مثلاً فى اتجاه الصحف الروسية إزاء تحليلها للأمور إلى تناول تلك المستجدات الخاصة بتركيا بشئ من التفهم للوضع التركي الداخلي، وقيامها بتوفير دعم غير مباشر فى كتابتها الصحفية، مستتراً بالترويج إلى دعوة الصحافة الروسية إلى النظر للأمر باعتباره شأن الأتراك وحدهم، ويأتي هذا في ظل مرحلة التقارب التركية الروسية أثناء التدخل في الشأن السوري.
أما على صعيد صحافة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أخذت الصحافة الأمريكية موقف المحلل الذي يقوم بتقييم الحدث دون أن يكون له يد فيه من قريب أو بعيد، فأمريكا منذ أواخر عهد باراك أوباما ومع بدايات عهد ترامب أصبحت تغض الطرف عن الصراعات الخارجية التى لا يتوفر لها فيها مصلحة أساسية، وقد وجهت صحافتها لهذا الاتجاه فى تناولها للقضايا الخارجية.
ومن ناحية الجانب الأوروبي، فقد أخذت الصحف الأوروبية تهاجم ذلك القرار، مصرحةً بإنه بمثابة تحول للديكتاتورية وتركيز للسلطات في يد شخص واحد، ويأتي هذا الهجوم الأوروبي جرّاء توتر العلاقات الدبلوماسية بين تركي وعدد من دول أوروبا في ظل رفض الدول الأوروبية لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي رأته تركيا آخر ما تبقى من وصال بينها وبين جاراتها.
من كل هذا، يتضح لنا إن التوجهات السياسية الخارجية للدول تتدخل بشكل أو بآخر فى صياغة الرؤية الصحفية للشئون الخارجية، فهى فى النهاية علاقة تأثير وتأثُر، ومع إن هذا ليس دائم الحدوث بما يجعل الأمر نسبياً، إلا إن جائز التحقق وواضح فى أمثلة كثيرة.