الصحافة الاستقصائية..
يمتلأ المجال الصحفي بأنواع متعددة ومتنوعة من الصحافة، منها ما هو ليس بمشهور بين جمهور الرأي العام، إذ ينشغل به المتخصصون فقط من أجل التصنيفات الصحفية ومن أجل معرفة طريقة واتجاه الأعمال الصحفية المختلفة، وتأتي الصحافة الاستقصائية كأحد هذه الأنواع، والتي تلعب دوراً مؤثراً في عالم الصحافة، جرّاء المهمة التي تضطلع بها، وبسبب الأساليب التي تتبعها في الوصول إلى المعلومة.
ويمكن تعريف الصحافة الاستقصائية على إنها سلوك يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء من أجل الوصول إلى حقيقة ما، وهو ما يجعلها تقوم على مبدأ الشفافية والموضوعية، وتُتبع بشكل أساسى في كشف ما يتعلق بالفساد ومحاسبة المسئولين، كما إنها تسهم فى سبر أغوار الظواهر المجتمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك باستخدام البيانات الإحصائية واستطلاعات الرأي، فضلاً عن الوصول إلى الوثائق الرسمية المعلنة وغير المعلنة، من أجل وضعها أمام الرأي العام وصانعي القرار.
برزت الصحافة الاستقصائية بشكل أوضح وأكبر مع بدايات القرن العشرين، حيث ظهر مجموعة من الصحفيين في المجتمعات، هدفهم التركيز على الوصول إلى الحقيقة، وإظهار ما خفى من فساد فى بعض الأمور، أُطلِق عليهم لقب Muck Rekers أو المنقبون عن الفساد، وبلغوا أوج نجاحهم في الفترة بين 1906 و 1911، وكانت وسيلته الأساسية فى السعي للكشف عن حقيقة الفساد هى إبراز الوثائق الرسمية المدعومة بأهم التحليلات لخبراء في هذا المجال، ولكن تبدد ذلك النجاح من عام 1912 بسبب عدم اهتمام الناس والجمهور بهم، غير إن الصحافة الاستقصائية عادت للظهور بقوة على الساحة الصحفية والإعلامية من جديد في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كان للولايات المتحدة الأمريكية دوراً مهماً في هذا الرجوع، حيث بدأ رؤساء التحرير الأمريكيين يشجعون الصحفيين ويحثونهم على استعمال هذا النوع من الصحافة من أجل الوصول إلى الحقائق السياسية الخاصة بالنظام و الدولة، وقد كانت أبرز القضايا الأمريكية التى قامت الصحافة الاستقصائية بدور مهم فى كشفها ما عُرف باسم فضيحة ووتر جيت، والتي كانت في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، والتى قام بها صحفي واشنطن بوست الشهير "بوب وود ورد"، والذي كان مأله في النهاية إلى تقديم استقالته، ومن الأمثلة الأشد حداثة، يُعد يسرى فودة من أهم صحفيو الاستقصاء فى مصر وفى الشرق الأوسط كله، بل يُقال إنه قد تأسس على يده مدرسة جديدة للصحافة الاستقصائية.
مع التطور التكنولوجي الحالي صار للصحافة الاستقصائية بُعد مختلف، وذلك من خلال قدرة بعض الصحفيين على الوصول إلى الوثائق المحفوظة إلكترونيا، ويمكن اعتبار ويكيليكس كواحدة من أشهر الأشكال الصحفية الاستقصائية الجديدة، حيث تسهم في معرفة الحقائق المدعومة بالوثائق الرسمية، والتي تُزيد من ثراء العمل الصحفي الاستقصائى في المجلات والصحف والمواقع الالكترونية الإخبارية ووكالات الأنباء.