تعالت في الآونة الأخيرة أصواتًأ مناهضة من الصحفيين والمشاهير والجمهور، ضد الانتهاكات المتزايدة للتغطية الإعلامية لحياة الشخصيات العامة، وطالب الكثيرون بوضع حدود تحمي خصوصية الفرد، ولكن في الوقت نفسه لا تطغى على حرية الصحافة.
ولهذا الموضوع أكثر من شق؛ فهناك تساؤلات عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الوضع بهذا الشكل، وعن أحقية الصحفي في تصوير وتغطية بعض جوانب الحياة الخاصة للمشاهير (مثل: تصوير جنازاتهم، أو أطفالهم)، وعن الأضرار التي تخلفها مثل هذه الممارسات. وأخيرًا، عن الأسئلة التي يجب على الصحفي أن يطرحها على نفسه قبل أن يغطي أية مواضيع شائكة قد تكشف جزءًا من خصوصية أي فرد.
الأسباب:
هناك سبب رئيسي وراء هذه الظاهرة المنتشرة ألا وهي "التربح". وتستغل الشركات حب الجماهير في معرفة أدق التفاصيل عن حياة المشاهير وكيف يتعاملون في حياتهم اليومية، لتصوير كثير من اللقطات والفيديوهات، التي تمثل معظمها تعدٍ واضح على خصوصية الفرد، فقط لرفع نسب المشاهدات وجذب الإعلانات، التي ستدر أموالًا طائلة على الشركة أو المنصة صاحبة المحتوى.
عن أطفال المشاهير:
نجد أن هناك الكثير من الفضول في العالم أجمع حول معرفة أشكال أطفال المشاهير، وربما يكون هذا بسبب إيحاء الإعلام للجمهور بوجود علاقة زائفة بأنهم أشخاص مقربين وأصدقاء للجمهور، فهذا يعزز شعورهم بأن أطفال المشاهير هم أطفالهم ومن حقهم أن يعرفوا كل جديد عنهم، وهذا ما قد يضع خصوصية الطفل وحياته في خطر.
بالطبع حين نفكر في الأمر لبرهة، نجد أنه ليس من حق أحد انتهاك خصوصية أي طفل حتى وإن كان ابنًا لشخصية عامة.
هناك استثناءات في هذا الشأن؛ فمثلًا حضور الطفل مع أحد أبويه لمكان من المتوقع فيه وجود العديد من الصحفيين (كالعروض الخاصة للأفلام، والمهرجانات الفنية)، هو بمثابة موافقة على تصويره ضمن تغطية الحدث.
كما يفسر البعض رغبة المشاهير في نشر صور أبنائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كنوع من الحماية من ملاحقة الباباراتزي لهم لكشف أسرارهم، وتقليلًا من مضايقتهم للطفل في الأماكن العامة.
عن جنازات المشاهير:
انتهاكات بعض الصحفيين في تغطية الجنازات مؤخرًا، يجعل الجميع يتسائل عما إذا كان المصور الصحفي يعي جلل الموقف وحرمة الميت وخصوصية مشاعر الأقارب والأصدقاء، فمثل ما شاهدنا جميعا في جنازة الفنانة دلال عبد العزيز ومن قبلها زوجها الفنان سمير غانم، كانت هناك ممارسات خاطئة بدءًا من اقتحام مساحة بناتهن الشخصية لتصويرهن داخل السيارة وقبل النزول منها، ومحاولة التسجيل مع الفنانين الحاضرين بالإكراه، بل ووصل الأمر إلى محاولة تصوير عملية دفن الراحلة "دلال عبد العزيز" أثناء دخولها القبر.
ونوصي بالاطلاع على دليل الصحفيين لتغطية الجنازات بمهنية المقدم من IJNET، للتعلم عن أساسيات نقل الحدث بطريقة سليمة.
الأضرار:
وفي حين أنه لا توجد قواعد صارمة وقوانين تجعل جميع الصحفيين والمصورين ملتزمين بالقواعد المهنية في عدم التعدي على خصوصية المشاهير، ربما يجب على كل صحفي أن يسأل نفسه بعض الأسئلة قبل أن يقرر أهمية قصة ما من عدمها:
هذا بالإضافة إلى تذكر أنه توجد حالات وأماكن لا تسمح للصحفي بأن يلتقط صورة للشخصية العامة فمثلًا؛ إذا كان يأكل أو برفقة أطفاله في مكان ما، على الصحفي أن يتحلى بالحكمة وأن لا يلتقط صورًا لا تعني لأحد الكثير.
وربما يمكننا أن نستكشف سويًا أمثلة عديدة حول العالم لمواقف تعرض لها مشاهير، وما كانت العواقب وردود الفعل التي كانت عليها:
اعتمد رون جاليلا (مصور الباباراتزي الشهير) أسلوب الملاحقة والتتبع بطريقة مبالغ بها في تصويره جاكي كينيدي أوناسيس (أرملة الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، وزوجة رجل الأعمال الشهير أرسطو أوناسيس)، لدرجة أنه كان يذهب لمدارس الأطفال وتمرين ابنة جاكلين لتصويرهم وبيع صورهم للصحافة.
وفي يوم من الأيام اعترض المصور طريق ابن جاكي وهو يركب دراجته بإحدى الحدائق ما أثار ذعر الصبي، فقام أفراد الحراسة الخاصة لجاكي بالتصدي له، وتم رفع قضية من المصور ضد جاكي كينيدي وأفراد الحراسة الخاصة، واتهمهم بأنهم يمنعوه من حقه الدستوري في حرية التعبير، ومن أداء عمله، وطالب بتعويض قدره 1.3 مليون دولار، لكن في المقابل رفعت جاكلين قضية ضده؛ بسبب ممارساتها المتطفلة ومضايقته لها من خلال تتبعها في أماكن كثيرة، لتنصف المحكمة جاكي وتمنع المصور من الاقتراب من جاكي مسافة 50 ياردة، ومن أولادها مسافة 75 ياردة، وتم تخفيض المسافة بعد ذلك إلى 25 قدم للسيدة جاكي، و30 قدم للأطفال.
في عام 2007 بعد مرور بريتني سبيرز بأزمات نفسية تسببت في اتخاذها قرار بحلق شعرها، رأت أحد مصورين الباباراتزي داخل سيارة ما يصورها وهي في أحد الشوارع، وعندما طلبت منه التوقف رفض، فأخذت مظلتها وهاجمت بها سيارة ذلك المصور الذي لم يحترم رغبتها في الخصوصية، غير مبالٍ بحالتها النفسية السيئة.
في الآونة الأخيرة انتشر مقطع صوتي لوالد حسام حبيب، يتحدث فيه عن أمور خاصة ويتكلم فيه بطريقة مسيئة عن حسام وزوجته الفنانة شيرين عبد الوهاب، وهذا التسريب تم نشره عبر مجلة "الجرس" التي تديرها الصحفية نضال الأحمدي.
تسبب المقطع بالكثير من الضجة، وأعلن حسام حبيب عبر فيديوهات قام بنشرها بأنه سوف يقاضي نضال الأحمدي لأنها استخدمت أساليب استقصائية غير مهنية، ونشرت محتوى المقطع بدون استئذان، بالإضافة إلى أنها تسببت بالأذى النفسي لأسرته.
خاضت الأميرة كارولين العديد من الجولات في المحاكم الألمانية؛ للحصول على حقها في الخصوصية من خلال قرار منع تصوير ونشر صور وهي تمارس حياتها الخاصة، واستطاعت أن تكسب بالفعل بعض القضايا؛ مثل قضية تصويرها في مطعم، واعتمد القضاء الألماني في حكمه على المكان الذي كانت تجلس به، فلو حجزت مسبقًا مقعدًا بعيدًا عن النوافذ الخارجية للمطعم، فهذا معناه أنها كانت لا تريد أي إزعاج أو تدخل من قبل المصورين. لكن على صعيد آخر، رفضت المحكمة دعوى الأميرة في منع نشر صور أخرى لها؛ كصورتها مع زوجها في إجازة خاصة أثناء مرض والدها ضمن مقال عن الحالة الصحية للأمير رينيه الثالث، وجاء التعليل لذلك بأنه خبر مهم للرأي العام، لأنه يتعلق بصحة حاكم البلاد.
يختلف محور القصة هنا قليلًا عن القصص السابقة، فالأمر هنا أقرب للنشر بدون استئذان من انتهاك الخصوصية، ففي عام 2000، باع الممثل مايكل دوجلاس، وزوجته كاثرين زيتا جونس، حقوق تصوير فرحهم لمجلة !OK، ووقعوا مع جميع العاملين على الفرح عقودًا تقدمهم للمساءلة القانونية في حال إذا صوروا صورًا لتجهيزات الفرح ونشروها، كما تم تفتيش جميع المدعوين قبل دخولهم للفرح للتأكد من عدم وجود أي كاميرات، ولكن مع هذا كله دخلت بالفعل كاميرات، وتم تسريب صور لمجلة !Hello المنافسة، ونشرت هذه المجلة الصور قبل مجلة !OK مما تسبب في خسارة مالية للمجلة الحاصلة على إذن النشر. تم رفع دعوى قضائية للمحكمة من قبل مجلة !OK ودوجلاس ضد مجلة !Hello، انتهت بفوز دوجلاس وزوجته، لأن الفرح تم إقامته في مكان خاص، ولأن الصور نشرتها مجلة !Hello بدون إذن مسبق منهما، وتم تعويض المجلة والزوجان بمبالغ مالية كبيرة نتيجةً للأضرار التي تسببت بها مجلة !Hello لهم.
وختامًا، كل هذه الأمثلة تجعلنا نفكر في سؤال مهم: هل هناك أهمية فعلية للعامة وقعت عند تسريب هذه المقاطع أو الصور الذي أثرت بشكل سلبي على حياة بعض الأشخاص الشخصية؟ أم فقط كان الهدف الأساسي هو الربح وإثارة بلبلة ليس لها أي داعٍ؟
المصادر ومراجع أخرى مهمة:
Celebrities in Journalism: The Ethics of News Coverage – Poynter
Gareth Thomas: Are celebrity private lives no longer fair game? - BBC News
Laws | Free Full-Text | Kids Sell: Celebrity Kids’ Right to Privacy | HTML
مخالفات مهنية في جنازة دلال عبد العزيز – Eojm
Privacy in the age of no privacy
The effects of following the famous and invading their privacy – The Spectator
Should Celebrities Expect Privacy? | The Perspective
Privacy Guidelines for Journalists | International Journalists' Network
Brain Food: Stop Overdosing on Celebrity Gossip and Low-Quality News
Mrs. Onassis v. Mr. Galella - The Washington Post
Now you see us, now you don't | Law | The Guardian
Princess Caroline of Monaco loses press privacy fight - BBC News
Selling privacy: Douglas v Hello! delivers a mixed message | Practical Law