تُعد الجماعات المصلحية أو جماعات المصالح والمعروفة بإسم "اللوبيز" من أهم ظواهر المجتمعات الديمقراطية، حيث تتكون جماعات ذات قدرات اقتصادية قوية، يجمع أفرادها مصالح مشتركة، سواء أكانت هذه المصالح سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو فنية.. إلخ.
تستخدم جماعات المصالح تيكتيكات عديدة من أجل تحقيق مآربها فى المجتمع، حيث تضغط على مركز صنع القرار فيه اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً، وهذا الضغط الاجتماعى لا يتم بالضرورة إلا من خلال القيام بشحذ الرأى العام والتعبئة الاجتماعية خلف الجماعة المصلحية، بحيث يمثل الرأى العام ورقة ضغط رابحة فى يدها للتأثير على مركز صنع القرار فى الدولة، من هنا، كان اقتحام الجماعات المصلحية للصحافة والإعلام بشكل عام، وللمؤسسات الصحفية بشكل خاص نتاجاً طبيعياً للأمر، حيث تحاول الجماعة المصلحية من خلاله استمالة العامة والجماهير من أجل دعم قضيتها، وهو ما يفضى نهايةً إلى استجابة الحكومة للأمر فى كثير من الأحيان، وإن لم ينجح، فهو على الأقل يضع الحكومة فى موضع الحرج أمام الرأى العام، ذلك إن الجماعة تُسَوِق نفسها فى الإعلام بإعتبارها تهدف للخير العام للدولة وللجمهور، وهو ما يُجبِر الحكومة فى كثير من الأحيان على أن تُدارى سوءتها بالاستجابة لرغبات جماعة المصلحة، أو فى أقل تقدير تسويف هذه المطالب والرغبات واختلاق المعاذير لعدم تحقيقها.
يثير هذا قضية مهمة بين الصحفيين والمهتمين بالتحليل الإعلامى، آلا وهى مدى انحياز المؤسسات الصحفية والإعلامية لجماعات المصلحة، والذى ينتفى معه وجود أى حيادية أو موضوعية فى تغطيتها للأخبار، وفى اختيارها للتقارير الصحفية ومقالات الرأى التى تُنشَر بها، حيث تصب بالنهاية فى صالح هذه الجماعات المصلحية، ولا تلقى بالاً للمهنية الصحفية الواجب اتباعها فى نقل الحقائق والمعلومات للجمهور، خاصةً وإن جماعات المصالح تستند بشكل أساسى فى سيطرتها على المؤسسات الصحفية على الأداة الاقتصادية، والتى تُعد بمثابة الوسيلة الأمثل فى إرجاح كفة الميزان فى ثقل الجماعات، وبهذا.. يمكننا القول بإن الجماعات المصلحية تستخدم أدواتها الاقتصادية من أجل تكوين أداة دعائية قوية من خلال المؤسسات الإعلامية والصحفية، بما تستطيع تحقيق مآربها.
من أهم أمثلة هذا، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تحتكم بشكل أساسى إلى قرارات اللوبى الصهيونى وتحكماته، ومن ثم فهو يسعى إلى فرض سيطرته على أكبر قدر من المنابر الإعلامية والصحفية فى أمريكا للتأثير بها، بل إن تأثير الجماعات المصلحية يمتد إلى حد وجود العديد من الكيانات الصحفية والإعلامية العربية التى تعتمد بشكل أساسى على توظيف كُتاب مقالات رأى وصحفيين يتوافقون مع توجهات مالكيها، والذين يمثلون جماعة مصلحية فى مجتمعهم بشكل أساسى، وهو ما يجعلنا نرى إن أغلب الكتابات بهذه الكيانات تنحو نحو مأرب واحد، حتى إنها تكاد تتشابه فى مضمونها، اللهم إلا تميُزها فى اختلاف الأسلوب الكتابى من كاتب لآخر.
ومن ثم، تنتقص الجماعات المصلحية من استقلال الصحافة، وتنال من مهنيتها وموضوعيتها وحياديتها...