منذ جوبلز.. وحتى الآن
برزت النعرة الألمانية منذ وقت طويل إبان الوحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لتمثل حجر الزاوية في التفاف جموع الشعب الألماني نحو تلك الدولة الناشئة والقائمة على أسس قومية عتيدة وتليدة.
كان أبرع من استطاع استغلال تلك السمات المتمثّلة في رفعة الجنس الألماني دون سواه عن أعراق العالم، هو أدولف هتلر وكان أبرز مساعديه في تلك الفترة في السيطرة على توجهات الشعب الألماني واستعمالها من أجل إدارة عجلة الألة العسكرية الضخمة هو باول جوزيف جوبلز وزير الدعاية والإعلام النازي، بل إن هذا الرجل يُعد مؤسس ما عُرف بفن الدعاية السياسية والإعلام الرمادي، حيث اعتمد على الكذب الممنهج وتحطيم صورة الخصوم وأعداء النازية بالإضافة إلى أنه يُعتبر أمهر وأول من وضع أصول الحرب النفسية فضلا عن تضخيم الهالة حول أسطورة الرايخ الثالث وتدعيم وترسيخ دعائم الحكم الهتلري لألمانيا. اعتمد جوبلز بشكل كبير على توجيه الشعب الألماني نحو أفكار هتلر وإظهارها على كونها تمثل الصورة والحلم في أذهان المواطن الألماني الذي يسعى ويتمنى أن يرى علم دولته يرفرف عاليا فوق الجميع خاصة بعد ذلك الإذلال الذي حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتوقيع ألمانيا لمعاهدة فرساي.
ويمكن القول بأن الشعبوية هى اتجاه او وسيلة قد تتطور إلى أيديولوجية، تهدف إلى دغدغة عواطف الشعب واستمالته من أجل كسب تأييده في الحكم أو السياسات التي يتم تطبيقها في البلاد، بعبارة أخرى إنه اتجاه نفسي يقوم على السيطرة بشكل أو بأخر على أكبر عدد من أفراد الشعب من أجل تثبيت دعائم السيطرة على البلاد من قبل الحاكمين، ولذلك يستخدم مروجوها المؤسسات الإعلامية والصحفية فى المجتمع من أجل تمرير هذه الأيديولوجيا وترسيخها فى نفوس الأفراد.
وفِي الأونة الأخيرة كان لظهور اليمين المتطرف في أوروبا العامل الحاسم لظهور ذلك المصطلح ولقد كانت للصحافة الأوروبية -التي جزء منها تابع لبعض الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة- تلعب دورا في حضور مصطلح الشعبوية على مسرح الصراع السياسي الأوروبي.
وثمة ما يشبه الاتفاق بين جميع الصحف الأوروبية على استخدام ذلك المصطلح لإطلاقها على فئة اليمين المتطرف سواء كان مؤيدا لها أو معارض، فالصحف المؤيدة ترى من تلك الكلمة دلالة رمزية على تقارب هذا الاتجاه بأفكاره إلى أفكار الشعب –إذ أن لفظة الشعبوية منبثقة في الأصل من لفظة شعب- والتي تتمحور حول رفض ما يمثل تهديد للقيم الأوروبية وثقافته وحضارته ولغته فضلا عن الدين وكذلك الأمن، إن منبع التهديد لدى هؤلاء يتركز حول المهاجرين واللاجئين وذوي الأصول الإسلامية ومع تصاعد العمليات الإرهابية في أوروبا وكذلك ظهور داعش كان محفز مهم على ظهور تلك الفئة واستخدام صوت الشعب الأوروبي في الاتجاه نحو الحفاظ على أوروبا وعلى صعيد أخر تعتمد الصحف المعارضة على لفظة الشعبوية بدلا من التطرّف الدينى.
نعم.. تعتمد الشعبوية فى أوروبا على المؤسسات الصحفية والإعلامية بشكل أساسى من أجل الانتشار والتوسع والدعوة إلى قيمها، فمن أقدر من الصحافة والإعلام على تثبيت دعائم الأفكار فى وعي المواطن العادى؟!