أصبحت الكيانات الإرهابية المتطرفة أكثر حضوراً فى العالم الإعلامى، خصوصاً بعد تطور منافذ الإعلام المرئى والمسموع وظهور وسائل التواصل الاجتماعى والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما وفر قنوات إعلامية قوية للكيانات الإرهابية وإن لم تكن قنوات شرعية.
تستخدم الكيانات الإرهابية الإعلام المرئي والمسموع من خلال تصوير فيديوهات وبثها على شبكات الإنترنت، تصور مدى استعدادهم العسكرى والقتالي، وتنفيذ أحكام الإعدام أو القتل الجماعي فى الأسرى والرهائن والضحايا، فضلاً عن فيديوهات التهديد والتوعد وإعلان المسئولية عن أحد التفجيرات أو العمليات الإرهابية، وقد كان تنظيم القاعدة هو أول التنظيمات اقتحاماً لمجال الإعلام المرئي والمسموع، من خلال النشرات والأشرطة السمعية وأشرطة الفيديو التى كانت تنتقل من يد إلى يد، ووُزِعت في المساجد وفى المتاجر المتخصصة، ورغم أن هذه الوسائل كان يمكن أن يكون لها تأثير تعبئة قوى إلا إنه لم يكن ثمة طريقة للوصول إلى جمهور أكبر، ثم بدأ استخدامهم للمحطات والقنوات الفضائية من أجل بث بياناتهم وتصريحاتهم والتى لم تنتبه الحكومات لخطورتها مبكراً مما أفضى إلى انتشارها فى العالم الإسلامى، ثم انتقلت القاعدة إلى وسائل إعلامية أكثر تطوراً، وذلك مع بدايات تدخُل التكنولوجيا فى الإعلام، حيث فطنت إلى تصوير قادة التنظيم فى فيديوهات تُبث على المواقع الإلكترونية من أجل استقطاب الناس للانضمام للتنظيم، بالدعوة لمبادئه والحديث عن قوته وعن مميزات الانضمام له، وتبعتها فى هذا داعش، بل زاد الأمر تطوراً على يدها بإستخدامها التقنيات التكنولوجية الحديثة كالفوتوشوب والمونتاج وتحسين الصورة (اتش.دى)، وتأسيس مواقع إلكترونية خاصة بإسم التنظيم أو الكيان يتم نشر كل هذه الفيديوهات والصور عليها.
وتستخدم الكيانات الإرهابية الإعلام بتقنياته الحديثة من أجل هدف واحد، تكوين أداة دعائية خاصة وتدشين بروباجاندا تدعم قوتها العسكرية والاقتصادية، ومع هذا فإنه ثمة أطر عديدة لهذا الهدف، حيث يمكن أن يكون غرض هذه البروباجندا الدعوة للتنظيم واستقطاب عناصر جديدة له، ويمكن أن يكون غرضها زرع الترهيب وإثارة الخوف والرعب فى نفوس آخرين، ولهذا فإن العلاقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام واضحة منذ فترة طويلة، يهدف بها الإرهابيين إثارة خوف غير عقلاني بين أعداد كبيرة من الناس من أجل التأثير على صناع القرار، وبالتالي تحقيق أهدافهم، ومن ثم فإنه بدون وسائل الإعلام لن يعرف بأهداف الكيان الإرهابى أو هجماته سوى عدد قليل من الناس.
وبوصول هذه المواد الإعلامية ذات التقنيات شديدة الحداثة التطور إلى شاشاتنا، صُدِم العديد من قدرة كيانات يعود تفكيرها الظلامى إلى القرون الوسطى على استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة لأغراض دعائية، بفرض إنها ستستخدم أساليب بدائية تتماثل مع تفكيرها، لربما مثّل هذا صدمة قوية للبعض، ولكن الأمر يبدو منطقياً لمن ينظر للأمر بنظرة ثاقبة بعض الشىء، ففضلاً عن ذكاء هذه الكيانات والذي يدفعها إلى استقطاب الكوادر الماهرة والتى تستطيع أن تستخدم التكنولوجيا الحديثة بمنتهى السهولة، فهى تسعى لتدريب الكوادر التي تنتمي إليها بالفعل، بما يتوفر لها من قوة اقتصادية، فأغلب أعضاء هذه الكيانات علماء وأطباء ومهندسين وإعلاميين من الطراز الأول ومبدعين فى مختلف المجالات، وذلك نظراً لإن الأفكار المتطرفة لا تتعلق بالضرورة بالجهل أو الفقر، إنما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظلامية الفكرية والأصولية الدينية.
كما يستخدم أعضاء الكيانات الإرهابية التقنيات العالية واللغة البصرية المستمدة من ألعاب الفيديو و الأفلام في هوليوود وهو ما قدّرها على استغلال مجموعة من أحدث وسائل الإعلام المعاصرة، وهو ما يندرج أيضاً تماما ضمن تقليد طويل من قدرة المنظمات الإرهابية على التكيف بسرعة للتغيير الثقافي والتكنولوجي والإعلامى.
ومن ثم، فإن كل هذه المواد الإعلامية العنيفة والمتطرفة الآن تدين بوجودها بشكل أساسى للكيانات الإرهابية، وهو ما يشير إلى وجود احتمالية مقلقة للغاية، يمكن معها تصوير الإرهابيين لأعمالهم العنيفة الجماعية صوت وصورة، ونقل الانفجارات والأحداث "لايف" من قِبل الجماعات الإرهابية، أو قيامها بالقرصنة الإلكترونية للاستحواذ على المنافذ الإعلامية الرسمية لبعض الدول، ولن تقف شهيتها عند هذا الحد، فكلما زاد تغلغلها تكنولوجياً، كلما ستزيد شهيتها للانتشار الإعلامى.