لازلنا مع نصائح إل هاتلنج في كتابه أخلاقيات الصحافة وهو يقول :
كثيرا ما يواجه الصحفي في موقعه بصفته محررا أو رئيسا للتحرير بحكم عمله كمراقب و متتبع لأنشطة الحكومة مجموعة من الاختيارات التي تصيبه بالحيرة و التشتت ، فبعض المعلومات بغض النظرعن قيمتها الصحفية قد تضر بالأمن القومي ،و في هذه الأحوال كيف يلتزم الصحفي بنشر الأخبار ، أو هل يلجأ إلى كتمانها من أجل المصلحة القومية ؟
أثناء حالات الحرب تقوم الصحف طواعية بالتوقف عن نشر المعلومات التفصيلية عن القوات أوتحركات الأساطيل ،حتى لا تجد نفسها تقدم معلومات مجانية للعدو ،و لكنها تكتفي بالأرقام الإجمالية عن تحرك القوات مثلما حدث في حرب فيتنام . و هذا كان على أساس تلبية رغبة الرأي العام في معرفة مدى تورط الولايات المتحدة في الحرب.
يقول هاتلنج أن رؤساء تحرير صحيفة النيويورك تايمز استطاعوا أن يعرفوا مقدما خطة غزو كوبا عام 1961 والمعروفة بالعملية "خليج الخنازير" و لكن بعد أن طلب الرئيس كينيدي من الصحيفة أن تقتل القصة ،قام رؤساء الصحف بحذف أية إشارة للغزو المحتمل على أنه عملية تقوم بها المخابرات المركزية الأمريكية و تغير العنوان الرئيس للقصة " المانشيت " من أربعة أعمدة إلى عامود واحد ،على الرغم من أن الرئيس كينيدي و رؤساء تحرير الصحف والمحررين كانوا حتى اللحظات الأخبرة غير واثقين من أن قتل القصة هو الصواب .
و في مثال آخر يوردلنا هاتلنج بقوله : بعدأن استولى رجال الحرس الثوري الإيراني على سفارة أمريكا في طهران عام 1979 ،و أخذوا مجموعة من الأمريكين كرهائن ( القصة الكاملة لهذه العملية مُثلت في فيلم أمريكي بعنوان Argo) كان بعض الصحفيين و وكالات الأنباء و المجلات العالمية ،و بعض شبكات الإذاعة والتليفزيون يعلمون و لمدة أسابيع طويلة أن هناك ستة أمريكيين لجأوا إلى السفارة الكندية في طهران و لكن وسائل الإعلام لم تذكر كلمة واحدة عن الخبر ،حتى نجح الكنديون في تهريب المجموعة بأمان خارج طهران ،و لم يشك أحد وقتها في قرار منع النشر .
مثال آخر أكثر إمتاعا يورده هاتلنج و يقول أن مجلة بروجريسيف عندما اقترحت أن تنشر مقالا عن أسرار القنبلة الهيدروجينية عام 1979 ،حاول المتحدثون باسم الحكومة أن يوقفوا القصة ،وقالوا أن هذا سيؤدي إلى إفشاء أسرار عسكرية وتهديد للأمن القومي و لكن في هذه الحالة اختلفت ردود أفعال رؤساء تحرير الصحف في الصحافة الأمريكية، فبعضهم رآي أن النشر سيؤدي إلى تهديد للأمن القومي والبعض الآخر رأي أن المحتوى قد تم نشره بالفعل و أنه في جميع الأحوال فإن المجتمع الأمريكي في حاجة إلى معرفة بسياسية التسلح في أمريكا .
بعض المحررين يستخدم ذريعة الأمن القومي فقط لمحاصرة الصحافة الجريئة أو لحماية البعض ممن يكونون في أماكن حساسة. ولكن في النهاية يجب تحكيم البصيرة و الضمير الأخلاقي و أن تكون هناك رؤية أبعد لنتائج النشر .. فهل تتفق مع هاتلنج ؟