العنف ضد المرأة.. من أين تستمد هذه الحوادث قوتها؟

26/07/2021 
5 دقائق للقراءة
كتابة: AkhbarMeter 
التصنيف: المهنية الإعلامية
العنف ضد المرأة.. من أين تستمد هذه الحوادث قوتها؟

نعيش الآن في عالم تملؤه مظاهر العنف ضد المرأة، وأصبح من المعتاد، بل من المتوقع رؤية تلك الحوادث! فبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، تتعرض واحدة من كل 3 نساء للعنف البدني أو الجنسي في حياتها.

 

وقبل أن نعرض بعض الأسباب التي أدت إلى استمرار وتزايد هذه الجرائم (والتي من أهمها دور الإعلام)، سنعرِّف أولًا العنف، ومظاهره التي تتعرض لها النساء (وخصوصًا في عالمنا العربي):

 

عرفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه: "أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

ومظاهره تشمل: 

  1. العنف الاقتصادي، مثل: منع المرأة من العمل، أو سلبها حرية التصرف في مالها، أو حرمانها من الميراث.
  2. العنف النفسي، مثل: ختان الإناث، تهديد المرأة بإيذائها أو إيذاء أحد أفراد أسرتها، أو عزلها عن عائلتها وأصدقائها.
  3. العنف العاطفي، مثل: تهميش الفتاة والتقليل من إنجازاتها، أو نعتها بألفاظ تؤذيها.
  4. العنف الجسدي، مثل: ختان الإناث، ضرب الفتيات، أو منعهن من الرعاية الطبية اللازمة.
  5. العنف الجنسي، مثل: ختان الإناث، التحرش، أو الاغتصاب.

هل لاحظت أن ختان الإناث به أكثر من مظهر من مظاهر العنف ضد المرأة؟! 

 

وبالعودة لجذور التربية والنشأة لمعظم الأشخاص، سنفهم جزءًا كبيرًا من أساس هذه المشكلة؛ فحين نقف عند الصور النمطية، نجد أن الأطفال قد تربوا على أن جميع الأعمال المنزلية من نصيب المرأة، في حين أن دور الأب في المنزل يقتصر على توفير عائد مادي للأسرة فقط.

أما عند بكاء أحد الأولاد الصغار، فنسمع بدلًا من المواساة تعليق"لا تتصرف كالفتيات"، في إشارة إلى أن المرأة هي مصدر خزي وضعف، بينما يعد الرجل مصدر قوة وفخر.

 

وبمناسبة مبدأ القوة والضعف، فهذا يأخذنا إلى نقطة مهمة للغاية، وربما يعتقدها البعض بعيدة عن الموضوع لكن يمكننا القول إنها عصب المشكلة، ألا وهي "ضرب الأطفال". فضرب الأطفال سواءً في البيوت أو المدارس بحجة التربية والتعليم، يرسخ في الطفل مبدأ "أن القوي والكبير له حق في انتهاك جسدي ولا يجب عليّ أن أعترض أو أدافع عن نفسي، لأنني أستحق هذا بسبب تصرفاتي الطائشة".

على الأغلب عقلك الآن قد ربط بين هذا الانتهاك وبين حوادث التحرش التي تحدث مرارًا كل يوم، وهذا لأنهما يدوران حول نفس المفهوم تقريبًا "أنا استطيع (قوي)، وهي تستحق (ضعيفة)".

 

لننتقل الآن إلى مبدأ لوم الضحية والتبرير، والذي يوجّه فيه المجتمع أصابع الاتهام نحو الضحية أو الفتاة، بدلًا من المعتدي أو القاتل، لتكون هي السبب في موتها أو انتهاكها لأنها خرجت في وقت متأخر، أو لبست ملابس معينة،...إلخ.

 

ما يعزز هذه الأفكار هو استخدام النكات الجارحة والتعليقات الساخرة عن المرأة، وتداولها بشكل معتاد من الرجال أو حتى النساء، للتهكم على أفكار أو شكل أو وزن المرأة.

 

والجزء الأكبر المسبب لاستمرار هذه التعليقات والحوادث يعود إلى سلبية المجتمع المحيط، وعدم اعتراضه بالفعل أو القول على ما يحدث أمامهم من انتهاكات، وهذا ما نراه كثيرًا في حوادث التحرش اليومية، التي تحدث أمام عدد لا بأس به من الأشخاص، ولكنهم يفضلون غض الطرف عن فعل الجاني، بل وقد يبررون بأن ملابس الفتاة هي من تسببت في ذلك.

 

وعن جرائم الشرف، فحدث ولا حرج، ولا ندري من أطلق هذا المصطلح الخادع على هذه الجرائم، لكن من المنصف أن يتم استبدالها بمصطلحات أخرى كـ"جرائم وحشية أو بلا إنسانية". وتدخل هذه الجرائم أيضًا تحت مظلة التبرير، فنجد أن الفتيات يقتلن بكل برود، وفي بعض الأحيان بدون محاسبة، على أيدي أحد أفراد العائلة، ولأسباب قد لا يصدقها عقل تتضمن تعرضها للاغتصاب أو للشك في سلوكها فقط.

 

ويأتي دور الإعلام معاكسًا تمامًا لما يفترض أن يقوم به، فبدلًا من إصلاح هذه الأسباب، يعمل على إبرازها وتعزيزها. 

ونشاهد في التغطيات الإخبارية كوارث متعلقة بحوادث العنف ضد المرأة، فنرى عناوين كبيرة، تخدش خصوصية واحترام الضحية، بدون مبالاة لمشاعرها أو لمشاعر أسرتها، ولكن على النقيض، يتفجر سيل من الأسباب التي تعذر الجاني وأن الضحية هي من أغضبته أو أغوته، في مسرحية هزلية لا تحترم عقل المشاهد أو أساسيات الإنسانية.

 

ولا يقف دور الإعلام عند التغطية الإخبارية فقط، فهناك الإعلانات؛ التي دائمًا تحصر دور المرأة في التجميل والطبخ والتنظيف، والمسلسلات والأفلام التي تتضمن؛ نكات تسخر من شكل المرأة، أو أدوار تصورها على أنها إما شريرة أو ضعيفة. كما تُطبّع مشاهد العنف المتكررة الذي يؤديها نجوم محبوبين مؤثرين، مظاهر العنف والإساءة ضد المرأة؛ ليقتدي بهذه التصرفات الأجيال الصغيرة الهشة، لكي يثبتوا رجولتهم وقوتهم في المجتمع. وهذا أيضًا يجعلنا نتساءل لماذا يتم تصوير تسلط الرجل على المرأة على أنه مظهر مهم من مظاهر الرجولة؟ 

 

إليكم أمثلة من أعمال شهيرة لاقت انتشارًا على مدى السنوات الماضية، وتناولت بشكل صارخ انتهاكات ضد المرأة:

  • أغنية السالمونيلا: يتمنى المغني في هذه الأغنية أن تصاب فتاة رفضت التحدث إليه، بمرض السالمونيلا، قائلًا "عشان تبقي تقولي لأ".
  • فيلم العار: تلاعبت شخصية "روقة" في هذا الفيلم، بصورة المرأة المثالية عند الشباب، فمثلًا قدمها على أنها امرأة ذات ملامح وقوام معينين، ولا تعارض أبدًا فهي تخاف من أن يتركها الرجل لخوضها تجربة فاشلة سابقة.

 

ونرى أيضًا في الإعلام، محاولة سلب طموح المرأة فيما يتعلق بأهدافها الخارجة عن نطاق المنزل (كالعمل والدراسة)، بل ويتم مهاجمتها والوصول إلى تجريدها من أمومتها ومشاعرها، إذا أصرت على نيل ما هو حق مشروع لها.

 

وهناك اعتقاد سائد، بأن الدراما هي مرآة المجتمع فقط ولا تملك التغيير، ولكن هذا غير صحيح، لأنه بالنظر إلى المعجبين والمعجبات الذين يقلدون المشاهير في طريقة الكلام والمظهر، نرى أنها وسيلة قوية ومؤثرة ويجب استخدامها بالصورة الصحيحة لتغيير الصورة النمطية للمرأة المنحصرة في كونها (ضحية أو تقليدية أو استهلاكية).

 

وهذه بعض الوسائل التي تحول الدور السلبي للإعلام إلى دور إيجابي (وخصوصًا فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية):

  • تجنّب الكشف عن تفاصيل تخص الضحية (الاسم/ العمر/ الصورة...إلخ)، والتركيز فقط على الجاني والفعل الشنيع الذي قام به.
  • التأكد من أخذ الإذن أولًا من الناجية أو أسرة الضحية، قبل نشر معلومات تخصها، في حالة وجود ضرورة تستدعي لذلك.
  • عدم لوم الضحية أو الإشارة بأي طريقة بأنها كانت سببًا فيما تعرضت له، لأن ذلك قد يبرر ويغفر للجاني جريمته.
  • عدم اكتفاء الصحفي أو الإعلامي بالتبليغ عن الحادثة فقط، بل يجب أن يستغل الفرصة وينشر التوعية عن طريق عرض طرق لمواجهة هذه المشكلة، وعواقب ارتكاب مثل هذه الجرائم، وأيضًا استضافة الخبراء للتحدث بشكل أعمق.
  • الاهتمام بجودة الأفلام والمسلسلات التربوية والأخلاقية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا تضمن أحد الأعمال مشاهد عنيفة، يجب أن يوضع تنويه أو تحذير بأن (العنف جريمة يعاقب عليها القانون).
  • الاهتمام بعرض قصص الناجيات من العنف، لتقديم الدعم والقوة للضحايا الأخريات، بعرض كيفية تجاوزهن الأمر وتحليهن بالصبر والمرونة لمجابهة الصعاب.
  • على وسائل الإعلام والقنوات التمهل قبل نشر تفاصيل تمس خبر عاجل يتناول قضايا تدور حول هذا الأمر، للتأكد أولًا من صحة المعلومات. وإذا كان النشر من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي، يجب مراجعة جميع التعليقات، وحذف التعليقات المسيئة للضحية.
  • استضافة خبراء من النساء للتحدث عن هذه القضايا، وعدم حصرها في دور الضحية أو شاهدة العيان.
  • تدريب الصحفيات والصحفيين على الأسس الصحيحة لتغطية هذه القضايا، واستبدال المصطلحات الخاطئة بأخرى دقيقة. 
  • وجود برامج توعوية لجميع الأعمار لمعالجة التمييز ضد المرأة.

 

آثار العنف ضد المرأة:

  1. إصابة المرأة بأمراض عضوية وإصابات خطيرة نتيجة تعرضها لعنف جسدي أو جنسي، وفي أحيان كثيرة يتم قتلها.
  2. الإصابة بأمراض نفسية كالاكتئاب، والقلق، واضطراب عادات الأكل، ومحاولة الانتحار.
  3. زيادة احتمال ممارسة التدخين وتعاطي المخدرات والكحول.
  4. خوف النساء الأخريات على أنفسهن، مما يصيبهن باضطرابات نفسية أيضًا.
  5. قد يترتب على العنف في الغالب عزلة النساء، وعدم القدرة على العمل؛ مما يترتب عليه خسائر اقتصادية، وخسائر اجتماعية بسبب عدم مشاركتهن للأنشطة الاجتماعية المعتادة.
  6. قد يصاب الأطفال الذين شاهدوا حوادث عنف، ضد أمهاتهم أو ضد النساء بوجه عام، باضطرابات نفسية وسلوكية خطيرة، تهدد من سلامتهم وسلامة من حولهم في المستقبل.

 

وللتصدي لهذه الظاهرة علينا أن نتكاتف جميعًا، لردع كل هذه السلوكيات التي تؤثر على الكبير والصغير/ والمرأة والرجل، من خلال اتباع نصائح كثيرة، من أهمها:

  1. الاستماع للضحايا والمعنفات وتصديقهن.
  2. عدم لوم الضحايا بأي طريقة، ودعمهن وتشجيعهن على التحدث، وأخذ الإجراءات القانونية اللازمة.
  3. فضح المعتدين على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها، ويمكنكم زيارة أمثلة عن الصفح المتخصصة بهذه القضايا من خلال الضغط على هذه الروابط: assaultpolice، اتكلم/ي، صوت نسوي.
  4. المطالبة بوجود خط ساخن يستجيب فورًا لهذه الاعتداءات، وبخدمات مخصصة لمساعدة الضحايا.
  5. معرفة إشارات وعلامات تعرض امرأة ما للعنف، وكيفية تقديم المساعدة المناسبة في هذه الحالة. وهذا يساعد النساء الخائفات من التحدث، وقد يساهم في حماية أرواحهن.
  6. لا تتردد في وقف التعليقات الساخرة والخادشة للمرأة، والتي تصدر من الأقارب أو الأصدقاء، واستخدم أسلوب صارم وواضح، لإظهار رفضك التام لها، وإذا استطعت ألقي الضوء على آثار هذه التعليقات السيئة على المرأة والأطفال والمجتمع.
  7.  تنظيم جلسات توعوية (على أرض الواقع أو عبر الإنترنت) لطلاب المدارس، وأصحاب الأعمال المختلفة، والمسؤولين الحكوميين، وأطقم المستشفيات.
  8. ضرورة تعليم جميع العاملين بالمراكز الصحية بالأعراض التي تشير إلى تعرض امرأة ما للعنف، وكيفية التصرف في مثل هذا الموقف.
  9. تقديم أماكن آمنة للمعنفات من قبل عائلاتهن أو أزواجهن، في حال عدم وجود مكان آخر تلجأ إليه.
  10. محاسبة الإعلام إذا انتهك مبادئ التغطية الإعلامية لقضايا العنف ضد المرأة.
  11. تقديم الدعم المادي للمؤسسات النسوية، والتي تقدم خدمات مهمة للضحايا.
  12. الاهتمام بالبيانات المتعلقة بهذه القضايا أمر مهم، لأن هذا يساعد في حصرها بطريقة دقيقة، ونشرها من أجل إعلام المجتمع بحجم الضرر الواقع.

 

لمزيد من الإفادة، زر هذه الروابط:

WHO - Violence against women: Strengthening the health system response - YouTube

Our Watch Ambassadors discuss the impact of media reporting on violence against women - YouTube

The media's role in preventing violence against women - Our Watch

العنف ضد المرأة

Take action: 10 ways you can help end violence against women, even during a pandemic | UN Women – Headquarters

مواقع التواصل الاجتماعي وتغيير "الصورة النمطية" للمرأة العربية - BBC News عربي

Role of media in preventing gender-based violence and crimes during the COVID-19 pandemic

إرشادات إعلامية لتغطية قضايا وجرائم العنف ضد المرأة | شبكة الصحفيين الدوليين

صورة المرأة في الاعلام العربي | اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة

Ways to help stop violence against women #WomenRights #OrangeTheWorld - YouTube

Frequently asked questions: Types of violence against women and girls | UN Women – Headquarters

المرأة في الدراما العربية | مجلة المجلة

Facts About Corporal Punishment

Can social media help in the fight against sexual harassment in Egypt? | openDemocracy

مزيد من المقالات

نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية