إن العالم الثالث (آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية) يضم ثلاث أرباع سكان العالم ولكنه لا يملك سوى نصف مجموع الصحف و ربع مجموع التوزيع في العالم . و يبلغ متوسط التوزيع نسخة واحد لكل 95 شخصا في إفريقيا ،و لكل 15 في آسيا ،و على الرغم من أن الهند بها 835 صحيفة مختلفة فإن توزيعها يكاد يكون مقتصرا على المدن و يبلغ متوسط التوزيع 16 نسخة لكل ألف فرد. وهناك 7 دول إفريقية ،و ثلاث دول عربية لا توجد بها صحف يومية ما عدا بعض النشرات الحكومية المطبوعة .
و على الرغم مما تزخربه هذه القارات من تعقيدات سياسية و اضطرابات اجتماعية فإنها تظل قاصرة في تقديم الدور الصحفي المنتظر منها ، رغم أنها تاريخيا لعبت دورا عظيما في إيقاظ الوعي الوطني ضد المستعمر مثل الصحيفة التي أسسها تامدي ازبكوي الزعيم النيجيري المعروف الذي أسس جريدة (وست أفريكان بيلوت) ،والمهاتما غاندي الذي أشرف على صدور صحيفة هارويجان التي أسهمت بشكل مباشر في إشعال الروح الوطنية لدى الشعب الهندي ،و صحيفة الاستقلال التي أسسها باتريس لومومبا التي كان لها دور كبير في استقلال الكونغو ،أو زائير حاليا .
و الغريب أن هذه التجارب الرائدة كان لها دورها السلبي بعد الاستقلال ،إذا مثلت أذرع القمع لهؤلاء الزعماء في سبيل تقويض استقلال الصحافة . و تجهلت دورها الفكري في بناء وعي الشعوب بعد استقلالها .
العجيب في الأمر أيضا أن الشرائح الاجتماعية التي تصدر هذه الصحف تتكون من الجبهة العريضة التي تضم القوى المعادية للاستعمار من المثقفين و التجار و العمال و المثقفين في الريف و المدن . وهو إن دل على شيء فهو يدل على التحول الأيديولوجي و تأثيره الكبير على العمل الصحفي .
هذه المجموعة البشرية من القوى المعادية للاستعمار هي التي تتحول فيما بعد إلى النخبة المثقفة المتعالية – التي تتهم عناصر بقية المشهد من الموظفين و الفلاحين العاديين إلى احتياجهم إلى التبعية حتى تستقيم حياتهم ،هذا التحول الأيدلولوجي هو ما يصل في النهاية إلى الصراع الذي تكون الصحافة شاهدة عليه وموثقة له ،و قد تخلق الصحافة صورة مصغرة لوجوده في دفاتر التاريخ.