صراع تكميم الأفواه وقصف الأقلام

02/04/2017 
5 دقائق للقراءة
كتابة: AkhbarMeter 
التصنيف: أخرى

 كتبت سناء فتوح
 

هذا التأثير الكبير الذي أحدثته وسائل الإعلام في عقول وأفكار الشعوب أخاف الكثير من الحكومات ، خاصة في عصرنا الحالي الذي يتجلى فيه دور التكنولوجيا ودورها في تداول المعلومات ، هذه التكنولوجيا التي سمحت لكثير من الصحفيين بدون قيود عرض الحقيقة التي يرونها بأعينهم و تأدية أدوارهم في محاسبة السلطات وتوعية الشعوب ، ولهذه الأسباب تمارس كثير من حكومات بعض الدول ممارسات تعسفية للتحكم والسيطرة والرقابة على ما يتم تداوله في وسائل الإعلام وما يقوم الصحفيون بنشره وتتضح هذه الممارسات في : 


1- القيود المفروضة على الصحفيين :

يعتبر حبس الصحفيين من الطرق التي ترى فيها الحكومات أداة فعالة وسريعة  لفرض الرقابة والسيطرة على الإعلام ، فتعتمد هذه السياسات ضد الصحفيين لترهيبهم والتحرش بهم وتلفيق تهم غير حقيقية تعيق مسيرتهم المهنية وتمثل ورقة تهديد لأي صحفي آخر يستمر في تغطية الأحداث سياسية بشكل معارض ،  فحسب تقرير أعدته ( لجنة حماية الصحفيين )، ألقت الحكومة الإريترية القبض على 23 صحفي عام 2014 بدون تقديم أحد منهم للمحاكمة أوحتى إدانتهم بإحدى الجرائم ، وتعتبر إريتريا الدولة الأسوأ في حبس الصحفيين في إفريقيا ، والتي تمارس انتهاكات شديدة ضدهم قد تصل إلى ملاقاة حتفهم في السجون ، فلقد ذكر نفس التقرير أنه من المرجح أن هناك خمسة من الصحفيين المقبوض عليهم عام 2001 قد لاقوا حتفهم بداخل السجون .


و تستمر الحكومات في انتهاكاتها ضد الصحفيين وحبسهم تحت حجة حماية الدولة من الإرهاب ، فلقد أقامت السلطات الإثيوبية عام 2014 دعوى قضائية ضد ستة مؤسسات صحفية تتهمها بالدعوة للإرهاب واستطاعت من خلالها حبس 10 صحفيين ونفي 16 صحفي خارج البلاد وإغلاق هذه المؤسسات .


وتتضح من هذه الممارسات أن الحكومات تقوم بتلفيق تهم غير حقيقية تجاه أشخاص بأعينهم يدركون القدرة على تأثيرهم ، بغض النظر عن مناصبهم، فكانت الصحفية خديجة اسمايوفا- التي حازت على جوائز في تحقيقات صحفية قامت بها- ضمن 10 صحفيين تم القبض عليهم من قبل السلطات الإذرابيجينية ، وكذلك أمين حسنيفو مدير معهد الصحفيين للأمن والحريات الذي اضطر إلى الاختباء بعيدا عن أعين السلطات بعد أن قامت بمداهمة مكتبه ومصادرة الأوراق الخاصة به .


وبالطبع لا يأمن الصحفيون من التهديدات التي لا تقتصر عليهم فقط بل تمتد لتطول وتهدد أهلهم وعائلاتهم ، ففي إيران كثيراً ما يتم استدعاء أهالي الصحفيين ويتم تهديدهم بخسارة أعمالهم ، وبالطبع يمثل ذلك ضغطاً وعبئاً على عمل الصحفي ، فالصحفية الصينية جاوو يو التي تعمدت بأن تدلي بشهادة خاطئة أمام المحكمة لتعترف بأنها قامت بالإضرار بالدولة تحت ضغط خوفها من قيام السلطات بتهديد ابنها والتحرش به .


وإذا تطرقنا للصحفيين الدوليين ، فإنهم يواجهون صعوبة كبيرة في استخراج تأشيرات لمثل هذه البلاد وتشديد المراقبة والتحرش بهم كما يحدث في الصين فبالرغم من تقديم بعض التسهيلات للصحفيين بعد مؤتمر صحفي في بكين مع الرئيس الأمريكي أوباما ،فمازال الصحفيين يواجهون بعض القيود لاستخراج التأشيرات الخاصة بهم .


وهروباً من الانتهاكات الشديدة التي يواجهها الصحفيون داخل السجون يظل النفي خارج بلادهم اختياراً أقل وطأة ، ففي إثيوبيا اضطر أكثر من 30 صحفياً للهروب خارج البلاد عام 2014 حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين  .


2- القيود المفروضة على استخدام شبكة الإنترنت : 

لا يوجد شك أننا  نعيش الآن في ذروة تقدم تكنولوجي أتاح لجميع الأفراد وخاصة الصحفيين  تداول المعلومات بشكل سريع ، فأصبح من الصعب تضليل وتوجيه الشعوب ، فالمتلقي لديه القدرة للتحقق من المعلومة من مصدرها الحقيقي ،يملك الحرية في اختيارمصدر معلوماته سواء كان وسيلة إعلامية أو صحفي ، أما بالنسبة للصحفي فأتيحت له فرصة للتعبير بدون قيود .


وإذا نظرنا للتجارب التي تحيطنا في كثير من الدول سندرك مدى أهمية التواصل الذي صنعه الأفراد من خلال شبكة الإنترنت ومدى تأثيره وفعاليته على أفكار الشعوب وقدرتهم على التعبير ويظهر ذلك جلياً في تجارب مثل الثورة المصرية 25 يناير 2011 ، ولقد اعتمد الشباب في  هذه الثورة على استخدام شبكة الإنترنت لنشر أفكارهم والدعوة للنزول في الشوارع ، وهو ما دفع الحكومة المصرية  لقطع الاتصالات وحجب جميع مواقع شبكة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد يوم 28 يناير . 


وتعتمد كثير من الحكومات على حجب المواقع وفرض القيود على استخدام شبكة الإنترنت كوسيلة لمنع تداول المعلومات وتكميم أفواه الصحفيين وتشديد الرقابة على ما يتم نشره في الوسائل الإعلامية ، ومن أبرز الأمثلة ما يحدث في إريتريا التي أحكمت سيطرتها خاصة بعد ثورات الربيع العربي عام 2011 ، ففرضت محدودية المعلومات المتداولة ، فحسب الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة ، 1% فقط من تعداد السكان يستخدم الإنترنت من خلال اتصال بطئ للغاية ، كما أنه لا يسمح لشركات خدمة الإنترنت بالعمل إلا من خلال شركة الاتصالات التابعة للحكومة لتحكم سيطرتها بشكل أكبر .


أما في الصين فبالرغم من أن هناك مئات الملايين الذين يستخدمون شبكة الإنترنت ، فمازالت الحكومة تحكم رقابتها عن طريق حجب بعض المواقع المنتقدة لسياساتها وكذلك التحكم في بعض مواقع التواصل الاجتماعي .


كذلك تعد إيران من أصعب الأنظمة التي تفرض رقابة على تداول مواطنيها للمعلومات على شبكة الإنترنت ، فهناك ملايين المواقع المحجوبة عل شبكة الإنترنت في إيران.


وفي كوريا الشمالية استخدام شبكة الإنترنت ليس متاحاً إلا للنخبة السياسية وبعض المدارس والمعاهد الحكومية التي تستخدمه بشكل محدود ، لذلك يسعى المواطنون للحصول على المعلومات من خلال استخدام الأجهزة الإلكترونية المهربة من الصين .


3- وضع القوانين المشددة :


بالطبع تظل القوانين من الأسلحة التي دائما ما تستخدمها الحكومات لتصبح حجة قوية للحكومات لتكميم الأفواه ومنع حرية التعبير تحت غطاء شرعي تم فرضه على الصحفيين ، وبالطبع مخالفة هذه القوانين تنتهي بالصحفيين إلى قضاء سنوات داخل السجون . 


ففي سبتمبر عام 2013 وضعت حكومة فيتنام قانون يمنع أي شخص من نشر أي محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي يضر بالأمن العام و يعارض سياسات الدولة ، ومثل هذه الأمور


والأمر كان مشابهاً لحد كبير في السعودية عام 2011 عندما حدث تعديل في قانون الصحافة يعاقب أي مطبوعة صحفية تهدف إلى مخالفة الشريعة والإضرار بالأمن العام والترويج لأجندات خارجية .


ولا يقتصر تضييق الحكومات على فرض قوانين مشددة بل يمتد ليشمل رفع الدعاوى القضائية ضد الصحفيين وعمليات  الإخلاء للصحف المعارضة وتحريم للدعم المادي الخارجي وتحذيرات للأنشطة التجارية من الإعلان في هذه الصحف .


وفي الحقيقة هناك علاقة وثيقة بين ممارسة السلطات السيطرة على الإعلام وبين إعاقة الشعوب لتحقيق التقدم والنهضة ببلادهم ، والتجربة الألمانية خير دليل على ذلك ، والتي تكمن في سيطرة الحكم النازي لهتلر على الإعلام والذي كان يعتمد فيه وزير الدعاية السياسية والإعلام جوزيف جوبلز على ابتكار مبادئ وأسس تقوم بالتلاعب بعقول الجماهير وحشدها وخداعها وتضليل الرأي العام من خلال الترويج لنظريات المؤامرة واحتكار الوطنية على السلطة الحاكمة وسلبها من أي معارضة وبث الآمال الكاذبة للشعوب بل التزييف الكامل لبعض الأحداث وأخيراً صناعة الجهل من خلال كيفية عرض المعلومات و نشر الأخبار من زوايا محددة تقوم بتشكيل رأي عام معين تسعى الحكومات لنشره ، ومن المؤسف أن مثل هذه السياسات مازالت تستخدم حتى الآن من قبل الحكومات الديكتاتورية لتضليل شعوبها ، لذا لابد أن تدرك حكومات هذه البلاد أن محاولاتها المستمرة لإحكام السيطرة على الإعلام إنما هو وسيلة تدفع بالبلاد إلى التأخر والتخلف ليس وسيلة للحفاظ على أمنها العام كما تدعي ، فشعب ألمانيا لم يتحرر من التضليل ولم يستطع اللحاق بركب التقدم إلا بعد انتهاء الحكم النازي والتخلص من سيطرته الإعلامية ، ومن ثم تبني السلطة الحاكمة لسياسات إعلامية تعمل على نشر مبادئ الديمقراطية والحرية للشعب الألماني .


فالأمم المتقدمة التي تقود العالم لم تُخلق إلا بجهود شعوب واعية متحضرة بأفكارها ، هذه الشعوب التي أدركت حكوماتها حقها الأصيل في المعرفة ، أدركت حقها بأن تصبح وسائل الإعلام وسيلة للتعبير عن آرائها وأفكارها ليس وسيلة لتضليلها وخداعها .

مزيد من المقالات

نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية