على مدار نصف القرن من الزمان، اكتست وجوه رجال ونساء قرية دلجا بمركز دير مواس بمحافظة المنيا بملامح الكفاح والعمل خلال زراعة وإنتاج وحصاد محصول الشطة بجميع مراحله منذ زراعته داخل الأراضى حتى تصديره إلى الدول العربية والأجنبية من خلال حركة البيع من قِبَل التجار.
وعلى الرغم من وقوع قرية دلجا على المنطقة الحدودية على حدود نهاية آخر مراكز محافظة المنيا من الجنوب، وعدم انتظار أهالى القرية الوظيفة الحكومية أو الجلوس على المكاتب، توارثت الأجيال جيلًا بعد جيل زراعة المحاصيل بمختلف أنواعها، حتى باتت أكبر قرية على مستوى الجمهورية فى الزراعة، ويبلغ تعداد سكانها نصف المليون.
وانتقلت عدسة «المصرى اليوم» إلى قرية دلجا لتوثيق لحظات مراحل حصاد محصول الشطة، الذى يكون بمثابة نيران ترتمى بين الأيدى وروائح تصيب العاملين بالزكام؛ لكنه باب خير ورزق وبركة لنساء ومزارعين وتجار عكفوا على انتظار المحصول سنويًّا.
يقول محمد على، صاحب 73 عامًا: «إننى أقوم بزراعة محصول الشطة فى أرض زراعية، قمت باستئجارها أنا وشقيقى وأبناؤنا، ونحرص على زراعة الشطة منذ 40 عامًا، منذ أن تعلمنا زراعتها من والدنا وأجدادنا ومازلت أزرعها»، موضحًا أن فدان الأرض يمكن أن يطرح طنًّا واحدًا أو أكثر حسب البركة والمكتوب، مشيرًا إلى أن زراعة الشطة تتمركز فى قرية دلجا عن غيرها من القرى، و«نسعى أن يكون هناك اهتمام من قِبَل وزارة الزراعة ونقيب الفلاحين لتوفير الأسمدة والتخلص من الكلاب الضالة».
وقال سيد محمد على، 57 عامًا، إن محصول الشطة يمر بمراحل تبدأ بزراعته بداية من شهر إبريل وحصاد المحصول فى شهر أكتوبر، لافتًا إلى أن مراحل حصاد الشطة تبدأ بنزع جذوع الأشجار من الأرض؛ ثم قطف الشطة من الساعة السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً، وسط الطقس الحار، وفى بعض الأوقات نضع الشطة للنساء فى المنزل أو سيدات يعملن فى قطف الشطة، يقمن بقطفها، وتعبئتها فى أجولة، ويُحصَّل عن كل جوال 15 جنيهًا، ثم نعيد الشطة المقطوفة إلى الأرض حتى تتم عملية فرش الشطة فى المساطيح، حتى تجف، ويتم قطف العنق الأخضر منها عقب جفافها، ثم تُقدم للتجار.
وتتصدر النساء مشاهد قطف الشطة، حيث يجلسن أمام أبواب منازلهن ينتظرن قدوم مزارعى الشطة من الأرض الزراعية، حاملات جذوع أشجار الشطة على أعناق الدواب المتصلة بالعربات الكارو أو التروسيكلات لنبدأ فى توزيعها على النساء الراغبات فى كسب المال الحلال دون الخروج من منازلهن، ويستمر عملهن لعدة أشهر، تمتد إلى نحو 12 ساعة فى اليوم الواحد، وسط فرحتهن بقدوم المحصول المزخرف بحبات الشطة الحمراء.
وتقول «أم حنا منير»: «اعتدنا انتظار المزارعين الذين يحضرون لنا الشطة من الأرض الزراعية، ويضعونها أمام منازلنا لنبدأ فى قطف الشطة من الساعة السادسة صباحًا حتى مغيب الشمس، وهناك إقبال كبير من النساء من أهالى القرية فى دلجا على قطف حبات الشطة، التى ننتظرها من العام للثانى، حيث يمثل المحصول لنا فرحة كبيرة، وهناك أرامل ينتظرن محصول الشطة من كل عام لكونه يساعدهن فى توفير مصدر رزق لهن يعينهن على الإنفاق على أبنائهن».
وقالت «أم شنودة» إن كثيرًا من نساء القرية يقمن بقطف الشطة، و«نعمل طوال النهار أمام المنزل، وسط تواجد الأبناء حول أمهاتهن، حيث يقومون بمساعدة أمهاتهم فى قطف المحصول، ونحصل على 15 جنيهًا مقابل الجوال الواحد، ومن الممكن أن تجمع السيدة جوالين أو ثلاثة فى اليوم الواحد، موضحة أنه تم رفع سعر جوال الشطة التى تقوم السيدة بتعبئته هذا العام إلى 15 جنيهًا، على عكس العام الماضى الذى كان المقابل به 10 جنيهات، ومن قبله كان 5 جنيهات، وكان قديمًا 75 قرشًا».
وقال محمد حلمى الفرا، أحد تجار الشطة، إن القرية متميزة بإنتاج الشطة، موضحًا أن 90% من محصول الشطة تنتجه دلجا، حيث تتم زراعة شتايل الشطة فى إبريل، وتبدأ بشائر المحصول فى شهر يونيو، ثم يزدهر لدى مزارعى القرية ليبدأ توزيعه على النساء أمام بيوتهن لقطف الشطة، ثم نعيدها إلى الأرض حتى يتم وضعها فى المساطيح، حتى تجف، ومن ثَمَّ تبدأ مراحل طحن الشطة أو بيعها للتجار فى محافظات أخرى أو تصديرها إلى دول باكستان والمغرب وتونس، لافتًا إلى أن مزارعى محافظة البحيرة يزرعون الشطة، لكنها ليست بجودة محصول القرية، وذلك يرجع إلى كون محصول الشطة ينتج أكثر فى الأماكن ذات الطقس الحار مثل المنيا وأسوان، «كما ننتج العديد من أنواع الشطة، مثل (شطشط، ماهيكوا، فاير، سوبر شطشط، شطشطة وسط)».وأوضح محمد عبدالله محجوب، أحد مزارعى الشطة: «نبدأ فى وضع محصول الشطة فى المساطيح أو المناشر التى نقوم بتجهيزها بداخل الأراضى الزراعية»، مشيرًا إلى زراعة الشطة بتقاوٍ مبكرة، وعقب حصادها نضع الشطة فى أجولة.
وقال حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب الفلاحين، إن محافظة المنيا تُعد من أهم المحافظات المنتجة لمحصول الشطة والفلفل على مستوى الجمهورية، وتتصدرها قرية دلجا، مشيرًا إلى أن المحافظة تنتج 10 أنواع من الشطة.
وأضاف: «هناك قرى فى العدوة وبنى مزار وسمالوط تحتل المركز الثانى فى إنتاج الشطة، بعد قرية دلجا؛ منها قرى الشيخ مسعود والقايات، والتى تنتج المحصول بشكل سنوى»، لافتًا إلى أنه سوف تتم إعادة مخاطبة رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الزراعة من أجل تيسير توفير أسمدة فى الأسواق الحرة لمَن لا يملكون حيازات زراعية، و«سوف نخاطب الجهات بضرورة وضع حلول للقضاء على الكلاب الضالة، التى تحد من حركة المزارعين فى قرية دلجا وتعوقهم عن الزراعة والإنتاج».
ذكرت المحررة أن عدسة المصري اليوم ذهبت لتوثق الحدث.
أوضحت المحررة أن المعلومات جاءت على لسان المزارعين في قرية "دلجا".