صناعة الأخبار الزائفة.. التنافس اليومي بين البشر والروبوت

16/09/2021 
5 دقائق للقراءة
كتابة: AkhbarMeter 
التصنيف: المهنية الإعلامية
صناعة الأخبار الزائفة.. التنافس اليومي بين البشر والروبوت

صحيح أن العصر الذي نعيش فيه يتميز بالتقدم والتطور الكبير في تدفق المعلومات ونشرها وطرق التحقق منها، وبالطبع هذا ساهم في نشأة العديد من الإيجابيات على صعيد حرية المعلومات. لكن على الصعيد الآخر، تسبب ذلك في ازدياد وتنوع طرق الاحتيال والخداع على الإنترنت لنشر الأخبار الزائفة لتحقيق غايات معينة.

 

لا تكمن مشكلة الأخبار الزائفة في وجودها، فهي موجودة منذ الأزل، بل تكمن في حجم انتشارها الذي يفوق الأخبار الحقيقية سرعةً وكميةً، بسبب التطور التكنولوجي الهائل في السنوات الأخيرة، مما بالطبع يؤدي إلى ضرر في وعي الفرد والمجتمع، وتعتمد هذه الأخبار للتلاعب بنا دون إدراك على 4 ركائز أساسية:

 

  1. المفاهيم والتحيزات الموجودة بداخلنا: بالطبع يساهم في ذلك خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي التي تهدف إلى وضع الأفراد داخل فقاعات ترشيح، تقلل احتكاكهم بالآراء المختلفة عنهم، فتختار لهم الأخبار الزائفة التي من المرجح أن يصدقوها بسهولة. لذلك حين يرى أحد الأشخاص خبرًا زائفًا عن فكرة بالأساس هو يؤيدها، يندفع فورًا لمشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي بين أصدقائه دون تحقق منها.
  2. الأهل والأصدقاء: ترتكز هذه النقطة على الثقة العمياء التي يمنحها الأفراد للأشخاص المقربين منهم؛ فتتطور المشكلة من تصديق شخص واحد للخبر الزائف إلى نشره بين الأهل والأصدقاء على منصات التواصل الاجتماعي.
  3. التحيز في نشر البحوث العلمية: يحدث هذا من قبل الباحث عندما يقرر التركيز على الجانب الإيجابي أو السلبي فقط من البحث العلمي وتهميش الجانب الآخر؛ للترويج للبحث وزيادة فرص نشره للعامة، أو من قبل منصات النشر في التلاعب في نتائج دراسة ما أو فبركة بعض حقائقها؛ لتعزيز فكرة معينة تتبناها، وجذب الجمهور للتصفح.
  4. الإثارة والبساطة: تقدم الأخبار الزائفة روايات بسيطة لكن حساسة ومثيرة للاهتمام، وتكون في الغالب إما صادمة أو مهينة، لأن ذلك يحفز بطريقة سريعة ردة فعل واستجابة عاطفية، تجذب بها الأشخاص وتجنبهم التفكير المنطقي والتحقق من المعلومات المقدمة.

 

ينقسم في عصرنا الحالي المسؤولون عن نشر الأخبار الزائفة إلى قسمين رئيسين، وهما:

  • المتصيّدون (Trolls).
  • برامج روبوتية تسمى اختصارًا بالبوت (Bots).

 

 

سنبدأ أولًا بالمتصيّدين (Trolls):

 

هم أفراد حقيقيون يتم استخدامهم لنشر معلومات وأخبار وقصص زائفة ومفبركة؛ من أجل هدف ما، ويعتبرون الأنسب في استهداف الجمهور الأقل اقتناعًا بفكرة ما لأنهم يحتاجون معلومات ومجهود ذهني أكثر من غيرهم لتغيير آرائهم.

 

وليس كل الأشخاص الناشرين للأخبار الزائفة متصيدون (يفعلون ذلك من أجل أغراض خبيثة أو هدف ما)، فأنواعهم مختلفة، وهم كالتالي:

 

  • شخص ينشر فقط أي خبر موافقًا لرأيه.
  • شخص يتعمد افتعال المشاكل والأزمات؛ باختلاق ونشر الأخبار الزائفة.
  • شخص لا يعرف أساسًا بأن هذا الخبر هو خبر مفبرك.

 

أما المتصيدون فتختلف نواياهم أيضًا، ومن الممكن حصرهم في 5 فئات أساسية:

 

  1. المهرج/ الجوكر: وسيلته هي المنشورات الساخرة المقاربة جدا للحقيقة، مما يجعل بعض الناس يصدقون المحتوى المقدم.
  2. المخادع: هو شخص يحاول كسب المال من خلال تضليلك، على سبيل المثال؛ يستخدم معلومات غير صحيحة وجذابة في الترويج لمنتجاته أو خدماته، مما يجعلك تقع ضحية لنصبه.
  3. السياسي: تستخدم الأخبار الزائفة من قبل السياسيين في تقليب الصراعات، عن طريق اختلاق الأكاذيب ضد الأطراف المختلفة في الآراء، أو بين الدول المتنازعة.
  4. صاحب نظرية المؤامرة: وهذا الشخص دائمًا يؤمن بأن لا شيء ظاهر على حقيقته (مثلًا؛ الأشخاص المشككين في وجود فيروس كورونا)، ويلقى هؤلاء الأشخاص رواجًا من الأفراد القلقين المنتظرين إجابة سريعة تخرجهم من تخبطهم.
  5. المصدر الداخلي المجهول: وهو شخص لا يتم ذكر اسمه ويتم فقط تعريفه بطريقة غامضة مشوقه توحي بأهمية الشخص، مثل؛ طبيب يعمل بمنشأة مهمة، أو أستاذ مخضرم في الجامعة.

 

نأتي الآن للبوت (Bot):

 

وهي تطبيقات برمجية يتم ابتكارها بواسطة شخص لديه مهارات في البرمجة، وتتألف من تعليمات برمجية (أكواد)، وتستطيع أن تنجز مهام آلية، وبنسبة كبيرة تستطيع أن تستبدل حاجة البشر في إنجاز هذه المهام، ومن الأمثلة عليها؛ مساعد جوجل وأليكسا. ولكن بالطبع تستخدم بشكل مختلف على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى تويتر تقوم هذه البرامج الروبوتية بمحاكاة البشر في نشر تغريدات، والتعليق على أشخاص حقيقيون، سواءً للترويج لبضاعة ما، أو لنشر محتوى كاذب لأهداف متعددة.

 

وتستهدف هذه البرامج الروبوتية الأفراد الذين لديهم أفكار وتوجهات مشابهة لّلرسائل التي يرسلونها، وبالرغم من محاولة تقليدهم للبشر بجودة عالية، إلا أن كشفهم وحجبهم أسهل من المتصيدين، وتكون رسائلهم في الأغلب ذات محتوى عاطفي عالي مع معلومات خبرية قليلة، وينتشر هذا المحتوى بصورة أسرع في غرف الصدى (Echo Chambers)، والتي تتكون نتيجة لإحاطة المستخدم في مواقع التواصل الاجتماعي بالآراء المشابهة فقط، وحجب عنه الآراء الأخرى عن طريق وسائل مثل؛ إلغاء الصداقة أو المتابعة، أو إظهار الخوارزميات لموضوعات معينة وإخفاء موضوعات أخرى، فينشأ عن ذلك مجموعات من المستخدمين منفصلين عن بعضهم، كل مجموعة لها آرائها الخاصة. 

 

ومن إحدى الطرق التي تستخدمها هذه البرامج الروبوتية هي الـ Clickbait:

 

ويقصد بها العناوين الرنانة الجذابة، وتؤدي دور فعال في نشر الأخبار الكاذبة بسهولة، وتتعدد أشكالها فقد تكون صورة أو فيديو أو نص، ويكون مضمونها مضحك، أو مخيف، أو يدفعك للغضب. وتضم هذه العناوين صيغ مختلفة منها مثلًا؛ لن تصدق ماذا حدث، أو ستصدم عند معرفة هذا الأمر، وبهذا يمكن للـ Bots من خلال إنشائها الوصول للهدف الذي صنعت لأجله هذه العناوين؛ وهي أن تكون طُعمًا يدفعك للنقر على زيارة صفحات أو مواقع، رغبةً في زيادة الربح.

وتكون قصص وأخبار هذه العناوين في الغالب مضخمة أو مفتعلة بالكامل، ومع أن الهدف الأساسي منها هو الربح، فهناك بعض العناوين التي يتم صنعها لتنقل لك فيروسات عند النقر عليها، أو اختراق جهازك.

 

© Lord Belbury on Wikimedia Commons

 

لكن هل تعلم أن ملفات تعريف الارتباط (Cookies)، لها ارتباط وثيق بكلًا من الـ Clickbait والـ Bots؟ 

 

ومن المؤكد أن هذا الوصف ليس غريبًا عليك، فعلى الأغلب أنك تشاهده يوميًا عند تصفح الإنترنت ولكن هل تعرف ما هي وظيفته أو معناه بالتحديد؟

 

ملفات تعريف الارتباط هي: ملفات يقوم الموقع بتثبيتها على جهازك؛ لحفظ تفضيلاتك واختياراتك، وتذكر أكثر ما تقوم بالبحث عنه أو شرائه. وما يحدث عند موافقتك لتثبيت الموقع لهذه الملفات على متصفحك، هو الإتاحة لهذه الملفات برصد جميع اختياراتك وتذكرها لتسهيل تجربتك في الموقع حين تزوره مرة أخرى، بدءًا من اختيارك للغة المستخدمة إلى المواضيع التي تبحث عنها، ومن السهل على هذه الملفات التعرف عليك لأن الملفات التي يتم تثبيتها على كل متصفح لها هويتها التعريفية الخاصة بها (ID).

 

وهناك نوع آخر من ملفات تعريف الارتباط ويسمى المتعقبون (Trackers)؛ ويتدخل في هذه الملفات طرف ثالث بجانب الموقع واختياراتك، والمثال على ذلك هو زر الإعجاب التي تجده لمنصة فيس بوك، والتي تستفيد منه المنصة في توجيه الإعلانات المناسبة لك ولذوقك، وهذه المنصات تجمع بياناتك حتى وإن لم تضغط على هذه الأزرار، أو لم تسجل دخولك بها بعد، أو حتى إن لم يكن لديك حساب بالأساس على هذه المنصات، ويكفي فقط لجمع بياناتك أن تزور الموقع وتتصفحه. ونتيجة هذه العملية هي أمر نتعرض له يوميًا، مثل الإعلان الذي يظهر لك على فيس بوك فورًا بعد انتهائك من البحث عن منتج ما على متصفحك الإلكتروني.

 

ونستطيع أن نقول إن الكوكيز أو ملفات تعريف الارتباط هي أداة تربط بين الـ Clickbait والـ Bots، وذلك لأنه بنقرك على أخبار وعناوين الـ Clickbait تنتقل إلى موقع ما وبدوره تجد ملفات تعريف الارتباط التي تحفظ وتجمع بياناتك، وهذه البيانات تساعد الـ Bots في اختيار الأشخاص المناسبين لاستهدافهم بالأخبار الزائفة الأنسب لهم.

 

© emilylocaldigital on Creative Commons

 

ولتكوين صورة شاملة عما نتحدث عنه، سنعرض لكم قصة حقيقية عن تأثير الـ Bots و الـ Trolls في اتخاذ القرارات وتضليل الأفراد في الانتخابات الأمريكية عام 2016:

 

دور الـ Bots:

 

كانت الانتخابات الأمريكية عام 2016 بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب خير مثال على استخدام الأخبار الزائفة في توجيه الشعب للتصويت لشخص بعينه، ففي العام 2017 قدر مرصد OSoMe نسبة حسابات تويتر الناشطة التي تدار عن طريق الـ Bots بحوالي 15%، واكتشفوا أن هذه الحسابات الزائفة لعبت دورا هامًا في نشر التضليل أثناء الانتخابات، بواسطة تغريدها لمعلومات كثيرة زائفة، ثم إعادة تغريد هذه التغريدات بواسطة أفراد حقيقيون صدقوا هذه المعلومات واقتنعوا بها بسبب شعبيتها الظاهرة في عدد المتفاعلين معها. ولا يقف مهام الـ Bot عند التغريد فقط، فعليه أن يتابع هو أيضًا أشخاص حقيقين ويتفاعل معهم سواءً بإعجاب أو تعليق، لكي يحاكي طريقة المستخدمين الفعليين ويكسب ثقة الأفراد.

 

دور الـ Trolls:

 

استعانت وكالة أبحاث الإنترنت الروسية بهذه الوسيلة لنشر المعلومات الزائفة عن الانتخابات الأمريكية، ووظفت عملاء لصنع حسابات تشبه تمامًا حسابات المواطنين الأمريكيين قبل موسم الانتخابات بفترة للتمهيد لدورهم، وقاموا باختيار صورًا وأسماءً زائفة لتحاكي أشخاصًا حقيقيين. وفي سبيل إتقان الدور يتعلم هؤلاء المتصيدون كل ما يشغل الرأي العام الأمريكي من قضايا وينشرون آرائهم عن تلك القضايا على حساباتهم، وقد يسافر البعض إلى أمريكا في رحلات مخصوصة للتعلم عن قرب الثقافة الأمريكية وطريقة تفكير المواطنين الأمريكين.

بعد هذا التدريب يحين وقت العمل الفعلي أثناء الانتخابات، فيبدأون بالتسلل إلى مجموعات خاصة بالأمريكيين على فيسبوك، ويتفاعلون مع أشخاص آخرين على تويتر من أجل نشر تغريدات الأخبار الزائفة، إلى أن شيئًا فشيئًا استطاعوا تحقيق مبتغاهم.

 

ختامًا، ننصحك بزيارة هذا الرابط الذي يحتوي على العديد من الأدوات والألعاب التي طورها مرصد OSoMe؛ لكشف ومعرفة الأخبار الزائفة، والحسابات التي تديرها برامج روبوتية (Bots).

 

المصادر:

 

Fake news and social media | Institute for the Public Understanding of Risk

Information Overload Helps Fake News Spread, and Social Media Knows It - Scientific American

How did Pew Research Center identify Twitter bots? - YouTube

How false information spreads - BBC Bitesize

4 Reasons Why Fake News is So Compelling | Turnitin

How fake news spreads like a real virus | Stanford School of Engineering

How is Fake News Spread? Bots, People like You, Trolls, and Microtargeting | Center for Information Technology and Society - UC Santa Barbara

Cambridge Analytica Whistleblower Christopher Wylie Takes Job At H&M - Grit Daily News

CLICKBAIT explained - YouTube

Prof. Steven Goodman on "publication bias" - YouTube

Fake News Generator: Who starts viral misinformation? - BBC News - YouTube

مزيد من المقالات

نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية
//in your blade template