صحيح أن العصر الذي نعيش فيه يتميز بالتقدم والتطور الكبير في تدفق المعلومات ونشرها وطرق التحقق منها، وبالطبع هذا ساهم في نشأة العديد من الإيجابيات على صعيد حرية المعلومات. لكن على الصعيد الآخر، تسبب ذلك في ازدياد وتنوع طرق الاحتيال والخداع على الإنترنت لنشر الأخبار الزائفة لتحقيق غايات معينة.
لا تكمن مشكلة الأخبار الزائفة في وجودها، فهي موجودة منذ الأزل، بل تكمن في حجم انتشارها الذي يفوق الأخبار الحقيقية سرعةً وكميةً، بسبب التطور التكنولوجي الهائل في السنوات الأخيرة، مما بالطبع يؤدي إلى ضرر في وعي الفرد والمجتمع، وتعتمد هذه الأخبار للتلاعب بنا دون إدراك على 4 ركائز أساسية:
ينقسم في عصرنا الحالي المسؤولون عن نشر الأخبار الزائفة إلى قسمين رئيسين، وهما:
سنبدأ أولًا بالمتصيّدين (Trolls):
هم أفراد حقيقيون يتم استخدامهم لنشر معلومات وأخبار وقصص زائفة ومفبركة؛ من أجل هدف ما، ويعتبرون الأنسب في استهداف الجمهور الأقل اقتناعًا بفكرة ما لأنهم يحتاجون معلومات ومجهود ذهني أكثر من غيرهم لتغيير آرائهم.
وليس كل الأشخاص الناشرين للأخبار الزائفة متصيدون (يفعلون ذلك من أجل أغراض خبيثة أو هدف ما)، فأنواعهم مختلفة، وهم كالتالي:
أما المتصيدون فتختلف نواياهم أيضًا، ومن الممكن حصرهم في 5 فئات أساسية:
نأتي الآن للبوت (Bot):
وهي تطبيقات برمجية يتم ابتكارها بواسطة شخص لديه مهارات في البرمجة، وتتألف من تعليمات برمجية (أكواد)، وتستطيع أن تنجز مهام آلية، وبنسبة كبيرة تستطيع أن تستبدل حاجة البشر في إنجاز هذه المهام، ومن الأمثلة عليها؛ مساعد جوجل وأليكسا. ولكن بالطبع تستخدم بشكل مختلف على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى تويتر تقوم هذه البرامج الروبوتية بمحاكاة البشر في نشر تغريدات، والتعليق على أشخاص حقيقيون، سواءً للترويج لبضاعة ما، أو لنشر محتوى كاذب لأهداف متعددة.
وتستهدف هذه البرامج الروبوتية الأفراد الذين لديهم أفكار وتوجهات مشابهة لّلرسائل التي يرسلونها، وبالرغم من محاولة تقليدهم للبشر بجودة عالية، إلا أن كشفهم وحجبهم أسهل من المتصيدين، وتكون رسائلهم في الأغلب ذات محتوى عاطفي عالي مع معلومات خبرية قليلة، وينتشر هذا المحتوى بصورة أسرع في غرف الصدى (Echo Chambers)، والتي تتكون نتيجة لإحاطة المستخدم في مواقع التواصل الاجتماعي بالآراء المشابهة فقط، وحجب عنه الآراء الأخرى عن طريق وسائل مثل؛ إلغاء الصداقة أو المتابعة، أو إظهار الخوارزميات لموضوعات معينة وإخفاء موضوعات أخرى، فينشأ عن ذلك مجموعات من المستخدمين منفصلين عن بعضهم، كل مجموعة لها آرائها الخاصة.
ومن إحدى الطرق التي تستخدمها هذه البرامج الروبوتية هي الـ Clickbait:
ويقصد بها العناوين الرنانة الجذابة، وتؤدي دور فعال في نشر الأخبار الكاذبة بسهولة، وتتعدد أشكالها فقد تكون صورة أو فيديو أو نص، ويكون مضمونها مضحك، أو مخيف، أو يدفعك للغضب. وتضم هذه العناوين صيغ مختلفة منها مثلًا؛ لن تصدق ماذا حدث، أو ستصدم عند معرفة هذا الأمر، وبهذا يمكن للـ Bots من خلال إنشائها الوصول للهدف الذي صنعت لأجله هذه العناوين؛ وهي أن تكون طُعمًا يدفعك للنقر على زيارة صفحات أو مواقع، رغبةً في زيادة الربح.
وتكون قصص وأخبار هذه العناوين في الغالب مضخمة أو مفتعلة بالكامل، ومع أن الهدف الأساسي منها هو الربح، فهناك بعض العناوين التي يتم صنعها لتنقل لك فيروسات عند النقر عليها، أو اختراق جهازك.
© Lord Belbury on Wikimedia Commons
لكن هل تعلم أن ملفات تعريف الارتباط (Cookies)، لها ارتباط وثيق بكلًا من الـ Clickbait والـ Bots؟
ومن المؤكد أن هذا الوصف ليس غريبًا عليك، فعلى الأغلب أنك تشاهده يوميًا عند تصفح الإنترنت ولكن هل تعرف ما هي وظيفته أو معناه بالتحديد؟
ملفات تعريف الارتباط هي: ملفات يقوم الموقع بتثبيتها على جهازك؛ لحفظ تفضيلاتك واختياراتك، وتذكر أكثر ما تقوم بالبحث عنه أو شرائه. وما يحدث عند موافقتك لتثبيت الموقع لهذه الملفات على متصفحك، هو الإتاحة لهذه الملفات برصد جميع اختياراتك وتذكرها لتسهيل تجربتك في الموقع حين تزوره مرة أخرى، بدءًا من اختيارك للغة المستخدمة إلى المواضيع التي تبحث عنها، ومن السهل على هذه الملفات التعرف عليك لأن الملفات التي يتم تثبيتها على كل متصفح لها هويتها التعريفية الخاصة بها (ID).
وهناك نوع آخر من ملفات تعريف الارتباط ويسمى المتعقبون (Trackers)؛ ويتدخل في هذه الملفات طرف ثالث بجانب الموقع واختياراتك، والمثال على ذلك هو زر الإعجاب التي تجده لمنصة فيس بوك، والتي تستفيد منه المنصة في توجيه الإعلانات المناسبة لك ولذوقك، وهذه المنصات تجمع بياناتك حتى وإن لم تضغط على هذه الأزرار، أو لم تسجل دخولك بها بعد، أو حتى إن لم يكن لديك حساب بالأساس على هذه المنصات، ويكفي فقط لجمع بياناتك أن تزور الموقع وتتصفحه. ونتيجة هذه العملية هي أمر نتعرض له يوميًا، مثل الإعلان الذي يظهر لك على فيس بوك فورًا بعد انتهائك من البحث عن منتج ما على متصفحك الإلكتروني.
ونستطيع أن نقول إن الكوكيز أو ملفات تعريف الارتباط هي أداة تربط بين الـ Clickbait والـ Bots، وذلك لأنه بنقرك على أخبار وعناوين الـ Clickbait تنتقل إلى موقع ما وبدوره تجد ملفات تعريف الارتباط التي تحفظ وتجمع بياناتك، وهذه البيانات تساعد الـ Bots في اختيار الأشخاص المناسبين لاستهدافهم بالأخبار الزائفة الأنسب لهم.
© emilylocaldigital on Creative Commons
ولتكوين صورة شاملة عما نتحدث عنه، سنعرض لكم قصة حقيقية عن تأثير الـ Bots و الـ Trolls في اتخاذ القرارات وتضليل الأفراد في الانتخابات الأمريكية عام 2016:
دور الـ Bots:
كانت الانتخابات الأمريكية عام 2016 بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب خير مثال على استخدام الأخبار الزائفة في توجيه الشعب للتصويت لشخص بعينه، ففي العام 2017 قدر مرصد OSoMe نسبة حسابات تويتر الناشطة التي تدار عن طريق الـ Bots بحوالي 15%، واكتشفوا أن هذه الحسابات الزائفة لعبت دورا هامًا في نشر التضليل أثناء الانتخابات، بواسطة تغريدها لمعلومات كثيرة زائفة، ثم إعادة تغريد هذه التغريدات بواسطة أفراد حقيقيون صدقوا هذه المعلومات واقتنعوا بها بسبب شعبيتها الظاهرة في عدد المتفاعلين معها. ولا يقف مهام الـ Bot عند التغريد فقط، فعليه أن يتابع هو أيضًا أشخاص حقيقين ويتفاعل معهم سواءً بإعجاب أو تعليق، لكي يحاكي طريقة المستخدمين الفعليين ويكسب ثقة الأفراد.
دور الـ Trolls:
استعانت وكالة أبحاث الإنترنت الروسية بهذه الوسيلة لنشر المعلومات الزائفة عن الانتخابات الأمريكية، ووظفت عملاء لصنع حسابات تشبه تمامًا حسابات المواطنين الأمريكيين قبل موسم الانتخابات بفترة للتمهيد لدورهم، وقاموا باختيار صورًا وأسماءً زائفة لتحاكي أشخاصًا حقيقيين. وفي سبيل إتقان الدور يتعلم هؤلاء المتصيدون كل ما يشغل الرأي العام الأمريكي من قضايا وينشرون آرائهم عن تلك القضايا على حساباتهم، وقد يسافر البعض إلى أمريكا في رحلات مخصوصة للتعلم عن قرب الثقافة الأمريكية وطريقة تفكير المواطنين الأمريكين.
بعد هذا التدريب يحين وقت العمل الفعلي أثناء الانتخابات، فيبدأون بالتسلل إلى مجموعات خاصة بالأمريكيين على فيسبوك، ويتفاعلون مع أشخاص آخرين على تويتر من أجل نشر تغريدات الأخبار الزائفة، إلى أن شيئًا فشيئًا استطاعوا تحقيق مبتغاهم.
ختامًا، ننصحك بزيارة هذا الرابط الذي يحتوي على العديد من الأدوات والألعاب التي طورها مرصد OSoMe؛ لكشف ومعرفة الأخبار الزائفة، والحسابات التي تديرها برامج روبوتية (Bots).
المصادر:
Fake news and social media | Institute for the Public Understanding of Risk
Information Overload Helps Fake News Spread, and Social Media Knows It - Scientific American
How did Pew Research Center identify Twitter bots? - YouTube
How false information spreads - BBC Bitesize
4 Reasons Why Fake News is So Compelling | Turnitin
How fake news spreads like a real virus | Stanford School of Engineering
Cambridge Analytica Whistleblower Christopher Wylie Takes Job At H&M - Grit Daily News
Prof. Steven Goodman on "publication bias" - YouTube
Fake News Generator: Who starts viral misinformation? - BBC News - YouTube