المصادر المجهولة.. هل تضاعف التشويق أم تكسر الثقة؟
("نقلًا عن مسؤول" - "أكدت مصادر" - "مصدر مقرب" - "مصدر رفض ذكر اسمه")
يصادفنا يوميًا العديد من الأخبار التي تستعين بجمل مشابهة، ولكن لماذا يتم استخدامها بهذه الكثرة، وما أضرارها وتأثيرها على مصداقية الصحفي، وهل هناك حالات معينة تسمح للصحفي بالاعتماد عليها؟
على الأغلب يتم إطلاق مصطلح "مصدر مجهول" على المصادر غير المعلنة للعامة، لكن ليست كل المصادر غير المعلنة للقاريء مجهولة تمامًا، فهناك أيضًا "مصادر سرية"، والفرق بينهما هو:
(المصدر المجهول): هو مصدر لا يعرفه الصحفي أو رئيس التحرير، قام بإرسال المعلومات عبر رسالة نصية أو مكالمة هاتفية بدون التعريف بهويته.
ومن الخطر أن يبني الصحفي قصته الخبرية كاملةً معتمدًا على أقوال المصدر المجهول فقط، ولكن يمكنه أخذ المعلومات الواردة منه ويبدأ على أساسها رحلة البحث والتوثيق.
ويفضل عدم استخدام "المصادر المجهولة" نهائيًا، لأنها تعطي انطباعًا بعدم صدق الخبر. ويجب أن يُوَضّح الصحفي للمصدر من البداية احتمالية عدم الأخذ بقصته، بسبب عدم وجود أي دليل على صدقه.
(المصدر السري): هو مصدر تعرَّف عليه الصحفي ورئيس تحريره، وتم التحري عنه والتأكد من صدقه، ولكن تحفظ هويته بسرية ولا يتم الإفصاح عنها. ويمكن للصحفي الاستعانة بهذا المصدر في بعض الأوقات إذا اضطر لذلك، ويحظى هذا المصدر بأفضلية أكثر قليلًا من المصادر المجهولة.
تضر كثرة استخدام المصادر السرية بالصحفي لسببين أساسيين هما:
- تقلل من ثقة القراء فيما يقدمه الصحفي أو الصحيفة.
- تعيق عملية التأكد من المعلومات خلال فترة التحقيق في القصة.
ولكن أيضًا تكون ضرورية ومفيدة في هذه الأوقات:
- إذا كان المصدر السري هو الحل الوحيد للحصول على معلومات مهمة.
- في حالة وجود خطر أكيد على حياة الشخص، أو عائلته، أو عمله.
نأتي الآن إلى القواعد التي يجب أن يتبعها الصحفي قبل الموافقة على منح بعض المصادر السرية كحل أخير للحصول على المعلومات:
- يجب أن تسأل عن الطريقة التي علم بها المصدر عن هذه المعلومات، ومن الأفضل توضيح ذلك في مقالك لزيادة نسبة المصداقية، وعليك أن تتأكد أنه هو المصدر الرئيس وليس وسيطًا لأي جهة أو شخص.
- معرفة أسباب عدم رغبة المصدر في كشف هويته أو اسمه، والإيضاح له أنه من الأفضل لمصداقية القصة أن تنسب له المعلومات بشكل علني.
- تحديد إذا كانت المعلومات ذات قيمة وتستحق التعرض للمخاطر، أم ليست بتلك الأهمية، وفي هذه الحالة يمكن اتباع مسارين:
أولًا: إخبار المصدر أنك لن تتحدث معه إلا إذا وافق على إمكانية استخدامك لاسمه في تقديم القصة.
ثانيًا: إعلامه بأنك ستستمع لقصته على أنها معلومات عامة فقط ولن تقوم باستخدامها بدون اسم، فهذا قد يعطيك تلميحًا يفيدك في البحث عن قصة أكثر أهمية، أو يعرفك بمصادر أخرى.
- استخدم تعبير "أصر المصدر أن يكون سريًا" بدلًا من "طلب المصدر أن يكون سريًا"، للإشارة إلى أنك لا تمنح هذه السرية إلا في حالات نادرة، وأيضًا إلى أنك أخذت هذه المعلومات من مصدرك في مقابل منحه السرية.
- لاحظ إذا كان المصدر متحمسًا ومتلهفًا على نشر المعلومات، أم مترددًا وخائفًا:
إذا كان متحمسًا:
احذر أن يكون المصدر قد تم إرساله لك من جهة أو شخص آخر، لكي يتلاعب بك أو يوقعك في فخ عبر نشر معلومات خاطئة. واسأله لماذا يريد أن يخفي اسمه إذا كان متلهفًا لهذه الدرجة لنشر القصة؟
ويمكنك أيضًا إخباره أنك ستستمع إلى المعلومات التي لديه فقط دون نشرها أو استخدامها، وإذا كانت المعلومات مهمة يمكنك المحاولة في توثيقها من خلال البحث عن أشخاص آخرين أو مستندات رسمية.
إذا كان مترددًا:
معظم المصادر الصادقة تكون خائفة من الخروج بالمعلومات إلى العلن، وخصوصًا إذا كانت المعلومات مهمة، ويمكنك أن تبدأ الحديث مع المصدر بمنحه الأمان والوعد بعدم الكشف عن هويته. وإذا شعرت بأن هناك علاقة ثقة نشأت بينك وبينه، اقترح عليه بأن تنسب له بعض التصريحات لإكساب القصة المصداقية، وإذا رفض عليك بالطبع تنفيذ وعدك بعدم الكشف عن هويته.
- ميّز بين المعلومات والآراء:
في بعض الأحيان تقابلك مصادر تريد منك أن تنشر آرائهم وتقدمها على هيئة أخبار. وتكون هذه الآراء في العادة هجومًا ضد أعدائهم، أو ترويجًا لهم أو لشركاتهم. احذر من ذلك وتأكد من أن ما يقوله المصدر حقائق مؤكدة، وابحث عن أشخاص ومستندات توثقها.
- عليك التحقق من دوافع ونوايا المصدر، وأن ما دفعه للتواصل معك هو المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية.
- يجب تعريف القاريء بأسباب الاستعانة بالمصدر السري (إلا إذا كان السبب يساعد في الكشف عن هويته)، ويجب استخدام مصطلحات قريبة قدر الإمكان من هوية المصدر، دون الكشف عنه أو عن جنسه، على سبيل المثال، يمكنك أن تقول "نقلًا عن مصدر يعمل بقطاع الصحة" بدلا من "نقلًا عن مصدر سري".
- حدد إذا كان المصدر قويًا أم ضعيفًا:
تستحق المصادر الضعيفة "السرية" أكثر من المصادر القوية، في أغلب المواقف.
(نقصد بالمصادر الضعيفة هنا، الأشخاص الذين لا يملكون نفوذ أو قوة أو مال يستطيعون بها حماية أنفسهم)
وهذا بسبب استخدام بعض الأشخاص نفوذهم وقوتهم في تسريب بعض المعلومات أو فبركتها، لكسب مصالح شخصية أو سياسية.
ولكن ليست هذه القاعدة دائمًا، فـ"مارك فيلت" (المصدر السري في الفضيحة المعروفة إعلاميًا بـ"ووتر جيت") كان شخص ذو منصب عالي بـ"الإف بي آي"، ولكنه كان معرضًا للخطر أيضًا وضعيفًا، وكان مترددًا بعض الشيء في إعطاء المعلومات وغير مندفع.
- اتخذ التدابير الأمنية والتقنية اللازمة لحمايتك وحماية مصادرك من المراقبة والتنصت، واتفقا معًا على الطريقة الأنسب للتواصل الآمن.
- حاول دائمًا ألا تعتمد على مصدر واحد فقط في قصتك، وإذا استطعت أن تعثر على مستندات أو مصادر معلنة قوية لقصتك، فمن الأفضل عدم استخدام المصادر المجهولة إلا إذا كانت تمدك بمعلومات مهمة لا تستطيع معرفتها بطريقة أخرى، ولكن يجب عليه أن يمدك بإثباتات تؤكد من روايته إذا كان يريد فعلًا نشر قصته (مثل: مستندات - شهود عيان)، هذا بالإضافة إلى بحثك الخاص للتأكد من صدق المصدر والقصة.
- تأكد من أخذ الإذن من رئيس العمل أو رئيس التحرير قبل التعامل مع المصادر السرية، واعرف القواعد المتعلقة بهذا الأمر في المؤسسة التي تعمل بها ولا تتهاون في هذه القوانين.
- راجع شروط وبنود الاتفاق جيدًا مع مصدرك، واختر معه المصطلحات التي يمكنك استخدامها في وَصفُه والإشارة إليه. والتزم بالوعود التي تعطيها لمصدرك، لأنه يستطيع مقاضاتك إذا قمت بنكث وعدك.
وفي النهاية، نود تذكيرك بأن من الأفضل الابتعاد عن المصادر غير المعلنة، لأنها تضعف من قصتك، وتقلل من متابعة القراء لك في حال تم استخدامها بكثرة وبطريقة خاطئة، وخصوصًا إذا كنت غير واثق تمامًا من صدق المصدر أو دوافعه. لذلك عليك التعامل مع المصادر بحذر، لأن التعامل باستهتار مع المصادر السرية قد يعرضك للخطر، أو لفقدان الجمهور.
لقراءة مصادر معلومات هذا المقال، قم بزيارة المواقع التالية:
9 things to know about anonymous sources | MPR News
SPJ Ethics Committee Position Papers - Society of Professional Journalists
Confidential sources - ONA EthicsONA Ethics
Journalism review: How the overuse of anonymous sources can threaten good reporting | Just The News
How Do We Verify Anonymous Sources? — ProPublica
Readers: Anonymous Sources Affect Media Credibility - Poynter
