5 دقائق، كانت مُدة جلوسي داخل غرفة الحجز، وعندما لم يأت طبيب الكشف، توجّهت إلى ممر الاستقبال مرة أخرى، إلى أنْ قابلت إحدى الممرضات التي تطوّعت بسؤالي عن وجهتي، فأجبتها بالسبب، ثم سألتها عن واقعة «مريض الإيدز» المُتناثرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، صمتتْ الممرضة للحظات، ثم طلبت مني رؤية المنشور الذي كتبهُ دكتور ثروت على صفحته الشخصية، إذ قالت بنبرة لم تخلو من الخوف: «آه الدكتور ده عندنا، ومريض الإيدز لسّه موجود هنا».
لم تقُل الممرضة أي تفاصيل أخرى عن الواقعة، تغلّفت بالخوف خلال لحظات، فجاءت كلماتها مُبعثرة: «معرفش حاجة، كُل اللى أعرفه أن المريض موجود دلوقتي في الدور التالت، وممنوع حد يطلع فوق».
الطريق إلى الدور الثالث، كان مظلمًا وهادئًا على غير عادة المستشفيات الحكومية، من الدور الأرضي إلى الدور الثالث، لم يسألني أحد عن وجهتي، توجهّت إلى الدور الأول ثم الثاني، في الدور الثاني، توقفت أمام «كمامة» مُلقاه على الأرض، بينما كان هُناك مشاجرة قائمة بين عدد من الأشخاص، توقفت للحظات، فباغتتني إحدى الممرضات: «مالكيش دعوة بالخناقة دي، أنتِ رايحة فين؟».
داخل قسم الجراحة والحروق، حيثُ يقبع المريض، سألتني إحدى الممرضات عن وجهتي، فسألتها عن مريض الإيدز المحجوز داخل القسم، بدا القلق على وجهها وطلبت إثبات صلة قرابة بالمريض، فأجبتها بأنني صديقة العائلة، اصطحبتني الممرضة عبّر ممر طويل، ثم جاءت ممرضات أخريات، وأصرّوا على إثبات قرابتي للمريض حتى أتمكّن من رؤيته.
حينها، أخبرهُم شقيق المريض، الشاب العشريني، حسام نصر، أنه يعرفني، فتركوني حينها أدخُل إلى الغرفة كي أرى المريض، دون تعقيم أو ارتداء قفازات، أو اجراءات احترازية كي لا يتم نقل العدوى، فقط حذروّه عدة مرات، بلهجة لم تخل من التهديد: «أخوك مكانه مش هنا أصلا، مش عاوزين مشاكل».
مستشفى المنيرة
بعد مُغادرة الممرضات، سألني شقيق المريض «انتي مين؟»، فأخبرته، فأجاب على الفور: «أنا عارف إنكم عاوزين تساعدونا، لكن مش عارف ليه المستشفى عاملين قلق».
اقتربت من هدفي «وائل».. حالته يرثى لها، قدمه أعلى الركبة تنزف من جرح ظاهر، والدماء تغطي المكان.. لم أستطع التحدُث معه بأي شئ، فقط كان يصرخ صرخات مدوية: «عاوز مُسكن يا نااااس.. يا تعالجوني.. يا تموتوني».
«اسمُه وائل نصر، عُمره 37 سنة، عاطل»، كلمات تعريفيّة قليلة قالها «حسام» عن شقيقه المُصاب بالإيدز، مؤكدا صحة كلام الدكتور ثروت في المنشور الذي كتبه على «فيس بوك»، إذ يُعاني منذ أكثر من شهرين ونصف بالإيدز. كما يحكي: «إحنا بقالنا 20 يوم بنلّف على المستشفيات، أغلب الأماكن رفضته، رُحنا الحميات رفضوا يستقبلوه». ويتابع مستنكرًا: «يعني الغلابة لمّا يتعبوا يروحوا فين؟».
لا يعلم «حسام» سبب تواجد شقيقه داخل مستشفى المُنيرة، فالمصابون بمرض الإيدز لابُد من عزلهم في مستشفيات «الحُميات»، حتى لا يصيب آخرين بالمرض.
أيام عديدة، قضَاها «وائل» في البحث عن مستشفى يقبل باستقباله، حتى وجد مستشفى المُنيرة، التي جلس بداخلها، تحديدًا داخل قسم الجراحة والحروق، لا يفصلهُ عن المرضى، سوى ممر صغير، إذ يقبع داخل غُرف كُتب عليها «غرفة عزل رقم (1)».
أترك المشهد المأساوي، بينما تتعالى الصرخات من داخل غرفة العزل، وامامها يقف الشقيق «حسام» وحيدًا يُردد جملة واحدة «يا تعالجوه.. يا تموتوه».
من جانبه، أكد الدكتور أحمد محي القاصد، مساعد وزير الصحة للطب العلاجي والمشرف على أمانة المراكز الطبية المتخصصة، اتخاذ مستشفى المنيرة العام الإجراءات الطبية اللازمة مع أحد المتعايشين مع مرض الإيدز بعد دخوله للمستشفى مصابا بنزيف حاد نتيجة تمدد في شريان الفخذ.
ونفى القاصد ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي من حدوث إهمال واستياء من استقبال المريض وتركه دون تدخل لوقف النزيف بدعوى عدم جاهزية المستشفى لاستقباله، إذ أوضح في تصريحات صحفية، الاثنين، أن مستشفى المنيرة العام فور استقبال المريض اتخذت جميع الإجراءات والاحتياطات اللازمة للتعامل مع هذه الحالات.
وأضاف أنه تم السيطرة على النزيف واستئصال التمدد وإنقاذ حياة المريض وحجزه في غرفة عزل بمفرده وكل هذه العمليات تمت تحت إشراف من الطب الوقائي بالوزارة، وأشار إلى أن كل المستشفيات تستقبل مرضى الإيدز مع اتباع الإجراءات اللازمة.