بوابة فيتو
92%
نسبة التقييم

«طباخ الملك فاروق» يروي ذكريات «نصف قرن» مع أكلات الملوك والرؤساء

«طباخ الملك فاروق» يروي ذكريات «نصف قرن» مع أكلات الملوك والرؤساء
فوق أريكته الزيتية، داخل الحجرة البحرية ذات الشرفة المُطلة على ناصية الشارع الرئيسي بحي الأزاريطة في الإسكندرية، يجلس عم علي تمام طباخ الملوك والرؤساء بنادي اليخت الملكي في الإسكندرية، متكئًا على عصاه الخشبية، تقوس بارز أعلى الظهر يليق برجل يوشك على إنهاء عقده الثامن، يُتابع ما يدور داخل التلفاز من خلال ما تبقى من الذاكرة السمعية بعد انحسار البصر مع تقدم العمر.

ينبش الثمانيني أنقاض الماضي ويستعيد ذكريات تعود لمنتصف أربعينيات القرن الماضي: "أنا ابتديت شغل وسني 16 سنة، كنا سنة 1948، بدأتها من القاهرة قبل ما استقر هنا في الإسكندرية".



في أربعينيات القرن الماضي وتحديدا عام 1946، حينما بلغ السادسة عشر من عمره، اصطحبه شقيقه الأكبر "أحمد تمام" من بلدتهم في الصعيد صوب "المحروسة"، أو كما أطلق عليها "مصر"، كان أحمد طباخًا ماهرًا يعمل في مجال الطبخ في عدة فنادق قبل ذلك.

انتقل «علي» مع شقيقه إلى شارع عدلي حيث "درب كلوب" الفندق الذي كان يَمتكله حينها ضابط إنجليزي، تعلم هناك صنوف الطعام المختلفة والشهيرة في الوقت ذاته، "كنت عيل صغير بقف جنب أخويا وهو بيطبخ أتعلم، أنا فاكر أول أكلة عملتها وأنا صغير إسكالوب بانيه وبطاطس موبيريه أو مهروسة". 

مضت الأيام رتيبة داخل هذا الفندق الصغير، حتى إنها سقطت من ذاكرته، ولم يتبقَ منها إلا لحظة واحدة عالقة في رأسه، شتاء عام 1946 حينما وقع حادث مقتل وزير المالية في وزارة حزب الوفد آنذاك "أمين عثمان": وقت حادث مقتل أمين عثمان على يد السادات وأصحابه لما الملك قالهم اقتلوه، ولما جه مع الإنجليز في الشارع، حضرنا الضرب، كنا مروحين بالليل وسمعنا ضرب نار عند مدخل عمارة الرجل كان ساكن في شارع عدلي، وقفنا نتفرج عليه". 

بعد وقوع هذا الحادث بأيام قليلة انتقل علي وشقيقه الأكبر للعمل في نادي الطيران الواقع في "عمارة الموبيليا"، يتذكر تمام حينما سكنت ليلى مراد بإحدى شقق العمارة التي كانت تحوي "كوبري" من الداخل يصل بين الشقق وبعضها: "هي كانت ساكنة في آخر دور وكان في منتصف العمارة فيه كوبري بيوصل بينا وبينها وكانت بتيجي تسلم علينا واحد واحد". 



نحو عامين قضاهما «علي» رفقة أخيه في القاهرة قبل أن ينتقل للعمل في الإسكندرية، وقبلها العمل في "الريست هاوس" الواقع بين القاهرة والإسكندرية، لأكثر من ثلاث سنوات متتالية، "أكلت مشاهير كتير في الريست، كان معروف أنه استراحة المشاهير".

انتقل بعد ذلك للعمل مع زوج أخت زوجته «علي رشوان» الذي يحمل له أفضالًا لا تنتهي كونه المعلم الأول له بفنون المطبخ الغربي، نظرا لعمله في قصر رأس التين الملكي بالإسكندرية يقول علي: "بعد عام 1948 بفترة جيت على نادي اليخت الملكي كان سني 20 سنة، وكان معي "علي رشوان" زوج أخت زوجتي، هو من علمني الأكلات الغربية كان فيه زبائن يونانيون وإنجليز، علمني عشانهم أعمل السمك اللي على جريجا "جريك" طرنشات، اتعلمت كمان أعمل ريبيولي، كالانولي وبيكاتا".



البقية الباقية من ذكريات العم «علي تمام» مع مطبخه في نادي اليخت الملكي حين التحق للعمل به مع علي رشوان نظير راتب شهري جنيهين ونصف، كادت تتقوض كاملة لولا أن حفظتها صدور الأم والأبناء، الذين تشبعوا بمثل هذه الحكايات على مدار سنوات كثيرة، لنجد الابن الأوسط "عاطف" يساعد الوالد في التنقيب عن ذكرى الأيام الأولى بالنادي، "احكي يا بابا عن أيامك مع الملك فاروق". 

يتحشرج صدر العجوز، يعتدل في جِلسته إيذانًا ببداية حديث شيق، أو سرد للفصل الأجمل من حكايته مع المطبخ الملكي: "الملك فاروق الله يرحمه كان بيحب يأكل من أيدي فتة العدس أو الكهرمان زي ما بيسموها، كنت أعملها وأحطهاله في "أنجر كبير"، كنا تقريبا سنة 1950 أول مرة أشوف فيها الملك فارق وأكله من أيدي".

ثلاث مرات هي التي ما زالت راسخة في ذهن العم «علي» عن إعداده طعام الملك في كل مرة كان يأتي بها لنادي اليخت الملكي في الإسكندرية بموقعه القديم: "في زيارته التانية عملتله شوربة على جريجا، من جميع أصناف اللحمة كان يحب يأكلها عندنا، كان فيها اللحم الضاني والبتلو والبقري كل الأنواع، لكن كانت أكتر أكلة بيحبها مننا الفتة".

يتابع تمام حكاياته: "كنا بنشتغل نحو 10 أفراد بيطبخوا تحت إشراف علي رشوان، كان منظر النادي غير عادي، يعملوا كل اللي ميتعملش يعلقوا الزينات اللي مكونة من الأعلام والكهربا الملونة والرايات".



بعد أن انتقل مقر نادي اليخت الملكي إلى منطقة قريبة من قلعة قايتباي في خمسينيات القرن الماضي، انتقل «عم علي» وفريق عمل مطبخ النادي المكون من عشرة أفراد إلى المقر الجديد، توالت الزيارات المهمة والرسمية على النادي، حتى أخبروه في إحدى المرات وكان العقد السابع من القرن الماضي في بدايته، أنه سينتقل للعمل على يخت المحروسة الملكي، خلال زيارة مرتقبة للرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل، حاكم السعودية آنذاك، في مناورة بحرية يطلقها جيش البلدين: "عملتلهم الطبق الثاني فيليه شمبنيون، وأرز بالخلطة والطبق الأول كان سمك على جريجا، والحلو كان "آيس كريم".

كان عم علي هو أشهر صانع الآيس كريم بأطعمته الأربعة في نادي اليخت كله: "كنت بعمله فانيليا ومانجو وفراولة وبارينيه"، يقاطعه ابنه عاطف قائلا: "كنت بهرب من المدرسة وأنا في ابتدائي علشان أروح آكل عند أبويا آيس كريم!".



صورة باهتة ليخت المحروسة عالقة في ذهن علي، يستحضرها كلما تطلب الأمر، مؤكدا أنه لم ير في حياته مركبا في جمالها وفخامتها: "المحروسة دي ليها حاجات عجيبة جوة، كانت نحو 7 أدوار بالسطوح، اللي بيميزها نظافتها غير الطبيعية والملاعق والسكاكين والشوك كانت فضة خالصة، الأطباق كانت تقع من إيدينا ما تتكسرش، والمطبخ واسع جدا مانجبش آخره".

المرة الثانية التي صعد فيها تمام للمحروسة، كانت في أواخر السبعينيات أثناء زيارة رئيس ليبيا السابق "معمر القذافي" رفقة الرئيس الراحل السادات، حينها دأب علي والزملاء على تجهيز سمكة الوقار 111 البالغ وزنها نحو 20 كيلو جراما، لإخلائها وتجهيزها قبل حضور الوفد: "لما السمك عجب القذافي اتبرع بصرف شهر مرتب زيادة لكل عمال النادي، لأنه أكل جوه النادي وفي المحروسة، وعجبه أكلنا في المرتين".



أكثر من خمسين عاما (نصف قرن)، قَضاهم «علي تمام» في نادي اليخت، أتقن عمل المأكولات الغربية، أحب السوفرييه بالجبن والجمبري والشيكولاته، أصبح بارعا في صناعة الحلوى والآيس كريم، أحبت أم كلثوم الـ"الفيليه بالمشروم" الذي أكلته من صنع يديه، سمير صبري وعمر الشريف والفخراني الذي أحب أكله كثيرا، بات الطباخ الرسمي للنادي والعلامة البارزة به، حتى أُحيل للتقاعد في تسعينيات القرن الماضي، وانتقل للعمل مدة عام في فيلا لسيدة تنتمي لطائفة الروم الأرثوذوكس تدعى "المدام ميسون": "كان بيقعد هناك ست أيام في الأسبوع ونشوفه يوم واحد، طول فترة عمله مأخدش إجازات إلا ليلة رأس السنة"، تتحدث الزوجة عن ساعات عمل العم علي التي كانت تتجاوز الـ12 ساعة يوميا، فهو الذي أحب عمله وأخلص فيه دون أن ينتظر مكافآت أو شهادات تقديرية، كانت تكفيه وقفته بين أدواته وتلاميذه.
تعليق المقيم
لقطة جيدة ومجهود مشكور
تعليق الصحفي
No Comment
التقييم المفصل
هل فصل المحرر بين تعليقه والمحتوى الخبري المقدم للقارئ؟
خلط بين الرأي والمحتوى
دمج تعليقاته في صياغة المحتوى، لمزيد من رسم الشخصية وتوضيح معالمها للجمهور
هل نسب المحرر الصور إلى مصادرها؟
نسب الصور لمصدرها
هل ذكر المحرر مصادر المعلومات الواردة بالمحتوى؟
ذكر مصدر المعلومات
تم نقل النص من بوابة فيتو 2018-08-28 14:21:20 تصفح أصل المحتوى
أبرز الأخطاء
وجهة نظر واحدة
حقوق الإنسان
جيد
100%
المصداقية
وجهة نظر واحدة
100%
الاحترافية
خلط بين الرأي والمعلومة
67%
نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية