في خطوة جريئة ومثيرة للجدل، أعلنت جامعة الأزهر، إحدى أعرق المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي، عن بدء دراسة إمكانية تعريب علوم الطب والصيدلة والهندسة، جاء هذا الإعلان ليطرح تساؤلات عديدة حول تأثير هذه الخطوة على جودة التعليم والتنافسية العالمية للطلاب والخريجين.
وفقًا للمسؤولين في الجامعة، تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على اللغة العربية كلغة علمية قادرة على استيعاب المصطلحات التقنية الحديثة، ويرى القائمون على المشروع أن استخدام اللغة العربية في تدريس هذه العلوم قد يسهم في تقليل الفجوة بين الطالب والمادة العلمية، مما يتيح له استيعابًا أعمق دون عائق اللغة الأجنبية.
أما العاملين بالمجال الطبي والصيدلى، فقد تباينت أرائهم بشكل كبير، فقد رأى البعض أن هناك تحديات ستواجه هذا المشروع، أبرزها: التحدى التقنى المتمثل في نقص المصطلحات العلمية الدقيقة باللغة العربية، مما يتطلب مجهودًا كبيرًا لإعداد قواميس علمية حديثة، وأن أغلب الأبحاث والمراجع العالمية تعتمد على الإنجليزية أو لغات أخرى، ما قد يعوق الطلاب من الوصول إلى أحدث الدراسات والأبحاث بسهولة، كما أبدى البعض تخوفه من أن يؤثر التعريب على جاهزية الخريجين للعمل في الأسواق العالمية، حيث تُعتبر اللغة الإنجليزية معيارًا أساسيًا في أغلب القطاعات الطبية والهندسية والصيدلية.
وذهب البعض إلى أنها ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها تعريب العلوم، فقد قامت دول مثل: سوريا والعراق بخطوات مشابهة في الماضي، حيث تم تدريس الطب والهندسة باللغة العربية لعقود، وعلى الرغم من النجاح النسبي لتلك التجارب، إلا أنها لم تخل من تحديات، أبرزها ضرورة الاعتماد على مراجع أجنبية مترجمة، فيما أكد آخرين أن دول محدودة فقط هي التي مازالت تُدرس تلك العلوم بالإنجليزية وأغلب دول العالم باتت تعتمد في لغتها الرسمية في الطب والصيدلة.
لذا يبقى قرار جامعة الأزهر قيد الدراسة، بانتظار النتائج والتوصيات التي قد تخرج بها اللجنة المختصة، وبينما يتأرجح الجدل بين التأييد والمعارضة، يبدو أن هذه المبادرة قد تكون نقطة انطلاق لحوار أوسع حول مستقبل التعليم العلمي فى مصر ودور اللغة العربية في صياغة هذا المستقبل.
نقابة الأطباء:
في البداية، يقول الدكتور جمال عميرة، وكيل النقابة العامة للأطباء، أستاذ جراحة الأورام بالمعهد القومى للأورام جامعه القاهرة، إن تعريب الطب لن يفيد في شيء، نظرا لصعوبة اللغة العربية في المصطلحات والتعاريف الطبية، فضلا عن أننا ننقل العلوم عن الغرب العلوم ولا نعطيها لهم، قائلا: لسنا قادة في الطب بل نتبع الغرب.. ونتعلم منهم ولسنا من نعلمهم"، حيث نأخذ منهم الأدوية ومستلزمات الجراحة والتقنيات وتكنولوجيا الطب، مشيرا إلى أن الصين واليابان رغم أنهم يملكون القدرات التي تؤهلهم إلى تدريس تلك العلوم بلغاتهم إلا أنهم يعتمدون على اللغة الإنجليزية في نشر الأبحاث العلمية لأنها اللغة المقبولة عالميا، مؤكدا أن المقترح غير واقعى، وصعب التنفيذ".
وفى تعليقه قال الدكتور علاء غنام، الدكتور علاء غنام خبير برامج الرعاية الصحية، عضو لجنة إعداد مشروع قانون التأمين الصحي الشامل،: إن تعريب الطب غير علمى وأمر غير مدروس، خاصة أن أغلب الإنتاج المعرفى في الطب عالميا باللغة الإنجليزية، بينما أن يتم تعريب الطب هو أمر يحتاج إلى وقت، خاصة أن اللغة العربية نفسها تحتاج إلى التعريب، إلا أنه من الممكن تطوير مناهج الطب أن يظل بمرجعيته الإنجليزية، مع وضع فصل باللغة العربية للأطباء لتعليمهم كيفية مطابقة مفاهيم المواطنين البسطاء في الريف أو الحضر، بالمرجعية الإنجليزية، وذلك بمثابة حصول الطبيب لكورس في علم الاجتماع الطبي بالعربى، يمكن إضافته للمنهج الإنجليزى، لكن تعريب الطب تجربة أثبتت فشلها في دول مثل: سوريا.
وأشار غنام، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"،: كما أن هناك ضرورة لأن يجيد طالب كلية الطب للغة الإنجليزية إجادة تامه، نظرا لأن كل البحوث والمؤتمرات العالمية باللغة الإنجليزية، وبالتالي أجد أن الأمر لن يُفيد المنظومة الطبية أو الخريجين، بل سيضرها لأن تعريب كل هذه المناهج نحتاج إلى وقت، بخلاف عدم وجود مترجمين متخصصين قادرين على ترجمتها للغة العربية بدقة لأنه أمر في غاية الصعوبة.
في المقابل، كان هناك رأيا مؤيديا للتعريب، للدكتور خالد عمارة أستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس، والذى قال: إن الطبيب في مصر يفكر بالعربي ويتحدث مع المرضى وزملائه من الأطباء بالعربي، ويدمج بعض المصطلحات اللاتينية التي قد لا يدرك معناها بشكل دقيق خلال حديثه، ويكتب أسماء أدوية يحفظها ولا يُلم بدلالة معاني هذه الأسماء، ثم يتسمك بأن دراسة طب باللغة الإنجليزية، وأضاف عمارة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"،: لو درس الأطباء في مصر والعالم العربي الطب باللغة العربية سيفهموا الكثير من التعبيرات والأسماء التي يرددونها بلا فهم لمعناها، وسيجعلهم يبدعوا أكثر بدلا من تضييع مجهودهم في حفظ ألفاظ لاتينية لا يعرفوا معناها أو مجهود في مجرد فهم لغة أجنبية تختلف عن لغتهم الأم، خاصة أن 99% من الأطباء لا يشاركوا في مؤتمرات دولية ولا يتابع أحدث الأبحاث كما يدعي البعض، وبالتالى لا يحتاج أصلا لإتقان اللغات الأجنبية غير 1% من الأطباء الباحثين والعاملين في الجامعات لمتابعة أحدث الأبحاث ونقلها وشرحها لبقية الأطباء العاملين كل يوم في المستشفيات .
وأشار أستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس، إلى أن العديد من الدول يدرسون الطب بلغتهم الأصلية ، مثل: فيتنام وتركيا واليابان واسرائيل وإيران وأسبانيا والبرتغال، على عكس بلاد العرب التي مازالت تدرس الطب بغير لغتها العربية، رغم أنها لغة العلم طوال التاريخ، قائلا: إن الدول التي تدرس العلوم باللغة الأجنبية لا تزال هي أكثر الدول تخلفا في العالم، من بينها بلاد العرب و إفريقيا، والاستثناء الوحيد هو الهند وبعض دول جنوب شرق آسيا التي تدرس العلوم باللغة الإنجليزية، مضيفا: كما أن الترجمة الفورية أصبحت اختراع سهل جدا وإذا اهتم القائمون على ترجمة الأبحاث الحديثة كما يهتمون بترجمة أحدث الأفلام و المسلسلات لما كان هذا حالنا، وقد يقول أحدهم أن علينا أن ندرس العلوم باللغة الأجنبية الى ان ننهض، ثم بعد ذلك نستعمل لغتنا، لكن الواقع يقول غير ذلك والتجربة تقول غير ذلك، حيث نهضت الصين واليابان ولا تزال بلاد العرب و إفريقيا "متخلفين"، الصين تنهض لأنها تدرس العلوم بلغتها، واليابان تنهض لأنها تدرس العلوم بلغتها، كل البلاد التي تدرس العلوم باللغة الأصلية للبلد تكون فرصة نهضتها أعلى، والعكس صحيح، وتابع: سنظل متخلفون طالما أننا ندرس الطب والعلوم باللغة الأجنبية وليس اللغة العربية، هذا ما اثبتته التجربة.
نقابة الصيادلة:
وفى نقابة الصيادلة لم يختلف الأمر كثيرا، فكان هناك تباين واضح فى الأراء، حيث يقول الدكتور محمد الشيخ نقيب صيادلة القاهرة، عضو مجلس الشيوخ،: إن العلم في الأساس ننقله عن الغرب، بداية من المناهج والأبحاث وصولا لنشر الدوريات، كل ذلك يتم باللغة الإنجليزية وهى لغة موحدة في تلك العلوم عالميا، وبالتالي ما الفائدة من تعريب الصيدلة؟ فإذا درس الطالب الصيدلة باللغة العربية سيضطر إلى دراسة اللغة الإنجليزية لاستكمال الدراسة ليتمكن من إجراء الأبحاث والدراسات العليا والتواصل مع دول العالم، وبالتالي لابد من إتقانه للغتهم، مما سيشكل عبئ على الدارس، كما أنه من الممكن أن يتمكن دارس من الإلمام باللغة الإنجليزية الصحيحة والمصطلحات، وآخرين قد لا يستطيعوا، خاصة أن كثيرا من المصطلحات يونانية في الأساس.
وأشار الشيخ، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إلى أن أغلب دراسة الصيدلة وأسماء النباتات والأعشاب تُعرف بتعريفات دولية "لاتينية" وهو المتفق عليه علميا، مضيفا: لذا أرى أن الأمر لن يحقق إضافة، بل سيكون عبئا على الدارس، وسيتسبب في وجود "فجوة" وتعطيل للصيادلة عن مواكبة الجديد فى الصيدلة ومستجداتها عالميا، مما سيؤثر على قدرات الصيادلة وتحصيلهم بالسلب.
في سياق مُتصل، قال الدكتور على عبدالله، مدير مركز البحوث والدراسات الدوائية والإحصاء، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"،: إن علم الصيدلة عالمى وليس محدود، وكل البحوث والدراسات والمراجع باللغة الإنجليزية، بل أنه كلما تحسن مستوى الصيدلى في الإنجليزية كلما توسع في الإطلاع والمعرفة، مشيرا إلى أن معظم الدراسات في علم الصيدلة من أصول لاتينية، وبالتالي من الصعب تعريف المصطلحات الصيدلانية، خاصة أن جزء منها لاتينى وأخر إنجليزى، كما أننا على المستوى التنفيذي والتطبيقى، نجد أن هيئة الدواء المصرية تتخذ مرجعيتها من الـFDA الأمريكية في كل تطبيقاتنا الدوائية.
وأشار عبد الله، إلى أنه فى 2019، كانت هناك محاولة لاتحاد الصيادلة العرب لتدشين ما يسمى بـ"البورد العربى" على غرار البورد الأمريكي، ورغم مرور كل هذه الفترة لم يتم تنفيذه، لصعوبة التطبيق، قائلا: الغريب في الأمر أننا دائما ما نبحث على الإندماج مع العالم، إلا أن هذا التوجه بتعريب العلوم على النقيض تماما من هذا، مؤكدا أن الدراسة في كليات الصيدلة باللغة الإنجليزية لا تمثل مشكلة بالنسبة للطالب إلا في أول شهرين في السنة الأولى، وبعد ذلك يصبح الأمر بسيطا ومفهوم، مؤكدا أنه ضد التعريب تماما خاصة أنها تجربة ستكون مُكلفة دون ضمان نجاحها، فكثيرا من المصطلحات نحفظها باللغة الإنجليزية ولا يمكن وجود تفسير لها باللغة العربية.
وعلى عكس كل الأراء، قال الدكتور أحمد الدمرداش عضو مجلس نقابة صيادلة القاهرة،: إن دراسة الطب والصيدلة باللغة العربية سيخرج أطباء وصيادلة أقوياء، فاهمين مواد دراستهم لأقصى درجة، ولا يمكن أن ننسى أن معظم خريجى الثانوية يلتحقون بالجامعة وهم "ميح" أى أنهم لم يتعلموا اللغة الإنجليزية، مما يؤدى إلى عدم قدرتهم على الإلمام الكامل بالمواد الدراسية، وبالتالى يضطرون إلى حفظ المصطلحات والمنهج كما هو دون فهم المقصود بها فقط بهدف الإجابة على أسئلة الامتحانات والحصول على درجات مرتفعة بالكلية، مضيفا: وبعد التخرج يجدون صعوبة فى إيجاد تفسيرات لحديث المرضى البسطاء باللغة العامية، وهو الأمر نفسه مع الصيادلة خاصة العاملين بمصانع الأدوية، حيث يلتزمون بضوابط وخطواط للتصنيع ولا يجدون تفسيرات لها بالإنجليزية، وبالتالى لا يوجد أى تناغم بين الطلاب والمادة العلمية رغم وجودها فى محيطه، مؤكدا أن اللغة العربية لغة"غنية" وستساهم فى توصيل المعلومات أفضل وأسرع.
واتفق معه فى ذلك، الدكتور أحمد فخرى، عضو مجلس النقابة العامة للصيادلة، حيث أكد أنه يؤيد تماما قرار جامعة الأزهر بتعريب علوم الطب في كليات الطب والصيدلة، مشيرا إلى أنها تجربة لابد أن تتم علي أيدي مٌتخصصين، والحكم عليها بالفشل مسبقا امر غير عادل، وأشار إلى أن وجود كثير من دول العالم تدرس تلك العلوم بلغتهم الأصلية، كما أن هناك الكثير من العلوم تُدرس باللغة العربية فى مصر نفسها، وهو أمر لا يمنع البحث العلمى لمن يرغب فى إجراء البحوث، فاللغة ليست عائق فى البحث العلمى، بل أنها تمثل عائق فى الدراسة نفسها، فقد شهدنا الكثير من الطلبة بالكليات يرسبون بسبب عدم ضعف مستواهم وعدم إلمامهم بللغة الإنجليزية، وعدم قدرتهم على تحصيل المقررات، مشيرا إلى أنه بين كل 100 خريج لا يصل أعداد المهتمين بالبحث العلمى 10 من بينهم.
وأضاف فخرى، فى تصريحات خاصة لليوم السابع،: هناك خلط لدى الناس بين ممارسة المهنة، وبين البحث العلمى الحقيقي، حيث أن الباحثين وأساتذة الجامعات نسبة ضئيلة جدا بالنسبة لعامة ممارسين المهنة، وإذا كانت المصطلحات لاتينية فما الفائدة من تعلم الصيدلة بالإنجليزية، وهى نفس القصة فى الطب، فأسماء أعضاء جسم الإنسان مثلا يتم تدريسها باللاتينى، ورغم وجود لغة ثالثة فى المناهج مثل اللاتينية إلا أن ذلك لم يمنع البعض من إجراء أبحاث، وأرى أن التعريب سيسهل الدراسة ويمكن أن ينتج جيل يمارس الطب بشكل أفضل، نتيجة لتعلمه بشكل جيد.
وأشار عضو مجلس النقابة العامة للصيادلة،: إلى أن مستوى الطب من المعروف أنه متقدم، وبالتالى تعد هذه فرصة ملائمة لبدء التطبيق لوجود أساتذة كبار وكوادر طبية وصيدلانية يمكنهم الشرح بشكل صحيح، لافتا إلى أن أحد مميزات هذا الطرح هو أن جامعة الأزهر ستبدأ فى التطبيق دون باقى الجامعات، وبالتالى يمكن اعتبار ذلك تجربة فى حال نجاحها يتم تعميمها فى باقى الكليات، أما إذا فضلت التجربة فلن نخسر شئ، ويتم التراجع عنها.
استخدمت المحررة صورة لجامعة الأزهر دون نسبها لمصدرها، وهو انتهاك لحقوق الملكية الفكرية.
عرضت المحررة المعلومات الواردة في التقرير بشأن قرار جامعة الأزهر بتعريب العلوم الطبية، دون توضيح كيفية حصولها على قرار الجامعة، مما يضعف من مصداقية الخبر.
بينما أوضحت أن تصريحات المصادر المذكورة في الخبر جاءت في تصريحات خاصة للموقع الإلكتروني.
وصفت المحررة قرار جامعة الأزهر بتعريب العلوم الطبية بـ"خطوة جريئة ومثيرة للجدل"، دون نسبها لمصدر رسمي، بل استخدمت المصطلح للتعبير عن رأيها في القرار، وهو خلط منها بين رأيها الشخصي والمعلومات الواردة في التقرير.