عَلمَت الصحراء ساكنيها الحياة داخل الدروب الوعرة، فإنهم إن حُرموا من حياة الترفيه التى يعيشها أهل المدن، إلا أنهم امتازوا بأشياء عصية على هؤلاء الأخيرين، لا تُدرس فى الجامعات ولا تضمها دفات الكتب، بل تُكتسب من حياة البادية، ألا وهى «تعقب الجٌرة» أو ما تعارف على تسميته بـ«قص الأثر». ويؤكد أهل البادية أن «قص الأثر» ليس من المهام الهينة، لأن الخطأ فيها قد يكلف الشخص حياته، وقد يتهم إنسان خطأ بأنه صاحب الأثر، لذلك فإن «قصاص الأثر» يجب أن يكون صاحب خبرة ويتمتع بذكاء حاد، ويشدد مشايخ المهنة على أهمية تجنب الرياح التى تعوق عمل قصاصى الأثر، خاصة رياح الصحراء التى تهب فى الصيف والشتاء، والتى غالباً ما تمحو وتطمس معالم الأثر، ولذلك يشترط أن يقوم قاص الأثر بممارسة عمله بعد لحظات من وقوع الجريمة، قبل أن تغطى الرياح آثار الأقدام. ويلعب قصاصو الأثر، وأغلبهم من البدو، دوراً مهماً للغاية فى التحقيقات الجنائية، إذ تمكنهم هذه القدرة من التعرف على الطريق الذى سلكه الإرهابيون فى الصحراء والجبال وكذلك مسار العناصر الإجرامية، التى تتوارى داخل الدروب الضيقة، إضافة إلى تحديد أجناسهم وأطوالهم وأوزانهم، ما يسهل من تحديد الفاعل بيسر وسهولة. «الوطن» تفتح ملف قصاصى الأثر من خلال مراسليها فى المحافظات الحدودية، لإلقاء الضوء على المهنة التى قد تمنح صاحبها أحياناً لقب شهيد، وتلتقى بعدد من مشايخ الصحراء ممن لهم باع طويل فى قص الأثر لفك طلاسم تلك المهنة التى أوشكت على الاندثار.