«لا أستطيع التنفس».. كانت هذه هي الكلمات الأخيرة للصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل مقتله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر الماضي، وفقا لما ذكره مصدر مطلع على التحقيقات لشبكة «سي إن إن» الأمريكية.
وقال المصدر، الذي قرأ نص التسجيلات الصوتية لمقتل خاشقجي: «من الواضح أن عملية القتل لم تكن محاولة خرقاء بل تنفيذ خطة معد لها مسبقا لقتله».
وخلال مسار «العملية البشعة»، يصف المصدر «كفاح» خاشقجي ضد مجموعة من الأشخاص العازمين على قتله، مضيفا أن خاشقجي ردد «لا أستطيع التنفس» 3 مرات.
ويشير نص التسجيلات الصوتية إلى «صوت تقطيع جثة خاشقجي بمنشار»، فيما نُصح المعتدون بالاستماع إلى الموسيقى للتغطية على صوت التقطيع.
وقال المصدر إن نص التسجيلات يشير إلى إجراء عدة اتصالات تليفونية للإبلاغ بالتطورات. وتعتقد السلطات التركية أن الاتصالات جرت مع مسؤولين في الرياض.
وجرى إعداد نص التسجيلات من قبل الاستخبارات التركية، بينما لم يكشف المسؤولون الأتراك كيف حصلوا على التسجيلات. والمصدر الذي تحدث لـ«بي بي سي» اطلع على نسخة مترجمة من النص كما أنه اطلع على التحقيقات.
وطلبت الشبكة الأمريكية من مسؤولين سعوديين التعليق على محتوى نص التسجيلات الذي كشفه المصدر، فقال مسؤول سعودي إن «السلطات الأمنية التي تتولى القضية راجعت نص التسجيلات عبر القنوات الأمنية التركية ولا يوجد فيها ما يشير إلى إجراء أي مكالمات».
وأضاف المسؤول السعودي: «إذا كان هناك أي معلومات إضافية لدى السلطات التركية لسنا مطلعين عليها، فنحن نرحب بتسليمها لنا لمراجعتها، وهو ما طالبنا به عدة مرات وما زلنا نطالب به، وحتى الآن لم يصلنا أي شيء». ولم يعلق المصدر السعودي على ما قاله المصدر للشبكة الأمريكية عما حدث داخل القنصلية وكلمات خاشقجي الأخيرة.
«سوف تعود»
يبدأ نص التسجيلات الصوتية منذ لحظة دخول خاشقجي إلى القنصلية السعودية بإسطنبول. وقال المصدر إن خاشقجي انتبه فور دخوله القنصلية تقريبا أن الأمور ليست على ما يرام عندما رأى أحد الأشخاص الذين قابلوه، وسأله خاشقجي: ماذا تفعل هنا؟
وقال المصدر إن «الصوت الذي جرى التعرف عليه في التسجيلات هو ماهر عبدالعزيز المطرب، دبلوماسي سعودي سابق وضابط بالاستخبارات يعمل لدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان».
وقال الرجل الذي ظهر صوته في التسجيلات لخاشقجي: «سوف تعود»، ورد عليه خاشقجي: «لا يمكنك فعل هذا، هناك أشخاص ينتظروني بالخارج»، في إشارة إلى خطيبته التي كانت تنتظر خارج القنصلية.
ودون أي مناقشات أخرى بين خاشقجي والرجل الذي تحدث معه، بحسب المصدر، تشير التسجيلات إلى أن عدة أشخاص هاجموا خاشقجي وتبع ذلك ضوضاء وسرعان ما كان خاشقجي يكافح من أجل الحصول على هواء.
وقال المصدر إن صوت خاشقجي كان مسموعا وسط الضوضاء وهو يكرر أنه غير قادر على التنفس. ورغم مناشدته اليائسة، كانت آخر كلمات مسموعة له في التسجيلات هي: «لا أستطيع التنفس».
ويشير نص التسجيلات الصوتية إلى صوت ضوضاء وأصوات عدة أشخاص آخرين. وقال المصدر إن «السلطات التركية حددت صوت أحد هؤلاء الأشخاص بأنه صلاح محمد الطبيقي، الطبيب الشرعي السعودي، وكانت الأسماء المحددة في نص التسجيلات بالإضافة إلى خاشقجي هما الطبيقي والمطرب فقط».
ويحاول نص التسجيلات الصوتية شرح الضوضاء المسموعة بطريقة تشبه النص الذي يظهر على فيلم عندما توجد أصوات بلا حوار؛ صراخ.. صراخ.. لهاث، بعدها يشير النص إلى أصوات أخرى «منشار، وتقطيع».
ويظهر صوت الطبيقي: «ينصح الأشخاص الآخرين في الغرفة لمساعدتهم على التعامل مع المهمة المروعة»، بحسب المصدر، ويقول: «ضعوا سماعاتكم، أو استمعوا إلى الموسيقى مثلي».
وخلال العملية، يفيد نص التسجيلات بإجراء «المطرب» 3 مكالمات هاتفية على الأقل. ولم يحدد نص التسجيلات لحظة مقتل خاشقجي، وقال المصدر إن «المطرب» كان يبلغ شخصا ما بتفاصيل ما يحدث خطوة بخطوة.
وأضاف المصدر أن نص التسجيلات تم توزيعه على حلفاء رئيسيين لتركيا والسعودية، منهم دول أوروبية، ولكن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي حصلت على نسخة من التسجيلات الصوتية وليس نص ما فيها فقط.
وقال مصدر مقرب من التحقيقات السعودية في قضية مقتل خاشقجي للشبكة الأمريكية إن الطبيقي والمطرب نفيا إجراء أي اتصالات هاتفية.
بينما قال المصدر الذي اطلع على نص التسجيلات إنها «تظهر أن الاتصالات لا تصف موقف مرعب لانحراف مسار الأحداث أو وقوع أحداث غير متوقعة». وأضاف المصدر أن «المتصل يبدو أنه يبلغ شخصا ما ببساطة ماذا حدث».
وأوضح المصدر أن نص التسجيلات قصير إلى حد ما، ولا يوجد به الكثير من الحوار ولا إشارة على محادثة حول سبب ضرورة إعادة خاشقجي ولا يوجد إشارة أيضا على أن خاشقجي جرى تخديره، مثلما أعلن مسؤولون سعوديون.
وقال المصدر إن الخلاصة التي توصل إليها من الاطلاع على نص التسجيلات هي أن «قتل خاشقجي كان عملية اغتيال خططها فريق منظم ونفذها بقسوة، مع إبلاغ شخص ما في الرياض بكل خطوة».
تحقيقات سعودية
في المقابل، كشفت النيابة العامة السعودية منتصف نوفمبر الماضي نتائج التحقيقات بشأن مقتل خاشقجي داخل مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، وأعلن وكيل النيابة العامة السعودية، شلعان الشلعان، في مؤتمر صحفي، تفاصيل العملية بدءا من الآمر بتشكيل فريق لتنفيذها وانتهاء بمصير جثته.
وقال «الشعلان» إن نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق أمر بإعادة خاشقجي إلى السعودية من القنصلية في إسطنبول «بالرضا أو بالقوة»، وأضاف أن «قائد مهمة استعادة خاشقجي أمر بقتله في حال لم يقبل العودة إلى السعودية».
وقال حسب وكالة الأنباء السعودية «واس»: «تم قتل خاشقجي بعد عراك وشجار وتقييده وحقنه بجرعة مخدرة أدت إلى وفاته، ثم تمت تجزئة جثته»، موضحًا أن «التحقيقات بيّنت أن جثة خاشقجي تم تسليمها إلى متعاون في إسطنبول بعد تجزئتها. توصلنا إلى رسم تشبيهي للمتعاون وسيتم تسليمها إلى الجانب التركي»، فيما أعلن أن «كاميرات المراقبة في القنصلية تم تعطيلها من طرف شخص واحد».