مجموعة من الشباب بمدينة طهطا شمال سوهاج أبهروا العالم بفكرة مشروعهم الذى يخدم البيئة، ويحد من ظاهرة حرق المخلفات الزراعية «البوص» ليتم تصنيعها لتصبح أخشاباً منخفضة القيمة عن مثيلاتها الموجودة فى السوق، ورغم أنهم عانوا كثيراً حتى تم تشييد المصنع إلا أنهم سعداء بما وصلوا إليه، رغم الصعوبات والمشاكل التى يواجهونها حتى اليوم.
مصنع إنتاج الخشب من مخلفات الذرة «البوص» يهدف أساساً إلى الاستفادة من المخلفات الزراعية الناتجة من زراعة الذرة، بحيث تصبح لها قيمة اقتصادية عن طريق تجميعها خلال الموسم، وتخزينها لتصبح متاحة طوال العام لإنتاج ألواح من الخشب المضغوط يمكن تشغيلها لإنتاج المنتجات الخشبية.
الدكتور إبراهيم هاشم، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للصناعات التحويلية «إريكو»، المالكة للمصنع، أوضح أن شركته تم إنشاؤها بمساهمة بين عدد كبير من أفراد المدينة، ولا يوجد بينهم رجل أعمال واحد، موضحاً أن المصنع هو الوحيد من نوعه فى العالم، الذى يحول بوص الذرة الرفيعة إلى ألواح خشبية بدلاً من إحراقه وتلويث البيئة، وذلك فى عملية تستغرق 40 دقيقة فقط، مشيراً إلى أن ألواح الخشب المنتجة تعتمد عليها شركات أثاث كبرى، بعد أن تم اختبار الخشب، ومطابقته للمواصفات القياسية العالمية، لافتاً إلى أنه قبل تنفيذ فكرة المشروع توجه إلى بيت خبرة أمريكى متخصص فى تدوير المخلفات مستفيداً من خبرته قبل إنشائه للمصنع.
«هاشم»: المحافظة لديها نصف مليون طن بوص لا نجمع سوى 10% منه فقط لـ«نقص المعدات» والباقى يحرق
وأضاف «هاشم» أن محافظة سوهاج بها نصف مليون طن بوص لا يتمكن من جمع سوى 10% منه فقط بسبب نقص المعدات، التى تنتقل للأراضى الزراعية وتقوم بجمع ونقل «البوص»، مؤكداً أنه فى حال توافر المعدات يمكن أن يجمع كل المحصول الموجود فى المحافظة، كما يمكن تركيب خط إنتاج إضافى فى المصنع لاستيعاب أى كميات فى المحافظة، مشيراً إلى أن وفداً من رجال الأعمال بدولة الصين حضروا لزيارة المصنع، وطلبوا إنشاء مصنع عملاق فى المنطقة الصناعية غرب جرجا، لكن تم إلغاء الفكرة لعدم وجود المعدات الكافية لجمع أعواد البوص، وكان من المقترح أن يتم إنشاء المصنع الجديد بطاقة 120 ألف طن، وقدمت الشركة الصينية عرضاً بالمساهمة بـ85% من المشروع بـ15 مليون دولار. وقال ممدوح أبوزهاد، مدير إدارة العلاقات العامة والموارد البشرية بالمصنع، إن «هناك صحف ومجلات أجنبية سلطت الضوء على فكرة المصنع لأنه الوحيد فى العالم، ومجلة شرق آسيا لصناعة الأخشاب تناولت المشروع بشكل مفصل وأثنت على فكرة أن يتم إقامة مثل تلك المصانع فى العالم، كما راسلت شركات عالمية كبرى سويدية وأمريكية لطلب المشاركة فى المشروع، لكن يتم إخبارهم بأن هناك معوقات كبيرة بالمشروع تتعلق بعملية جمع البوص»، موضحاً أن هناك مستثمرين من هولندا حضروا للمصنع وطلبوا تصنيع منتجات بمواصفات خاصة وتصديرها إلى هناك، كما أن جامعة مينيسوتا الأمريكية طلبت الاستفادة من فكرة المصنع، وأن يكون هناك شراكة بين الجامعة ومحافظة سوهاج.
وأضاف، «أبوزهاد»، أن «تلك الشركات تتواصل مع إدارة المصنع لأن المشروع بيئى، وهو من الطراز الفريد، لأنه يساهم فى الحد من حرق المخلفات الزراعية والحد من التلوث، كما أن الأخشاب المصنعة ناتجة من مصدر بخلاف قطع الأشجار، وبالتالى المصنع يحافظ على البيئة والحياة الطبيعية»، مؤكداً أن الدول الأوروبية تشجع مثل تلك الصناعات وتقدم لها كل الدعم، كما أن المستهلكين يقبلون على شراء منتجات لا تسبب أضراراً للبيئة، مشيراً إلى أنه يتم تصدير الإنتاج إلى الأردن والسودان وأفريقيا، مؤكداً أن المصنع حالياً لا يتمكن من تغطية احتياجات السوق المحلية، وعندما يتم الاكتفاء، يتم بعدها الانطلاقة فى التصدير لجميع دول العالم، ولكن العقبة الكبرى هى نقص المعدات، وفى حال توافرها سيكون المصنع واجهة مشرفة لمصر أمام العالم.
«أبوزهاد»: المشروع بيئى يحّجم حرق المخلفات الزراعية والتلوث.. ويوفر 3 آلاف فرصة عمل والصحف العالمية سلطت الضوء عليه
وأضاف أن المصنع يعمل به الآن 200 عامل، وحال انتهاء جميع المراحل ستصل العمالة إلى 300 عامل، ترتفع العمالة خلال موسم جمع البوص لتشمل أكثر من 3 آلاف عامل، حيث يتم جمع البوص من جميع مراكز المحافظة.
وقال صابر زايد، أحد أصحاب ورش الأثاث بمركز العسيرات، إن «الخشب المصنع من البوص أرخص 30% من الخشب المستورد وجودته أفضل، والمصنع يساهم فى صناعة أثاث أرخص من المستورد وبجودة عالية»، مؤكداً الخشب الحُبَيِبى يدخل فى استخدامات عديدة وعليه طلب متزايد بشكل يومى، مؤكداً أن المصنع أصبح فاتحة خير على كثير من أصحاب ورش الأثاث، موضحاً أن إنتاج المصنع لا يكفى احتياجاتهم ولا يتمكنون من الحصول على الخشب طوال العام لعدم تمكن المصنع من إنتاج كميات إضافية بسبب نقص المعدات فى المصنع، مشيراً إلى أن عملية إعادة التدوير والتصنيع تعطى الخشب بعض المزايا، منها أن الخشب المعاد تصنيعه يمتلك محتوى رطوبة أقل (20%) من محتوى الرطوبة الموجود فى الخشب العادى، الذى تصل نسبة الرطوبة فيه (70%)، وانخفاض نسبة الرطوبة تعطى للخشب صلابة أكثر.
وقال المهندس أشرف خلف بكرى، مدير الصيانة بالمصنع، إن «المصنع بدأ فى جمع مخلفات الذرة منذ 5 سنوات وأول إنتاج للمصنع كان فى 17 أكتوبر 2015، عندما أُنتج أول لوح خشب مصنوع بالكامل من حطب الذرة الرفيعة، وتم طرحه فى الأسواق بأسعار منافسة للبديل المستورد، ما أكد قدرة المصنع على تلبية أى كمية من الطلبات وبأسعار تنافسية بمميزات كثيرة أهمها إمكانية الدفع بالعملة المحلية على عكس المستورد، الذى تقدر قيمته بالعملة الصعبة».
وأكد إبراهيم هاشم أن «وزارة البيئة تتجاهل المشروع تماماً»، موضحاً أنه التقى وزير البيئة السابق الدكتور خالد فهمى مرتين، لكن لم يحصل منه على استجابة لتوفير معدات، مشيراً إلى أنه لم يطلب معدات بشكل مجانى بل يتم تأجيرها من الدولة، مؤكداً أن المصنع يحتاج 100 جرار لنقل المحصول، ويجلب 200 جرار من مختلف محافظات الصعيد للعمل خلال الموسم، كما يوجد بالمصنع 100 جرار بخلاف معدات الأوناش، ويحتاج إلى وجود 10 نقاط تجميع لمخلفات الذرة، والمتاح حالياً نقطتان فقط، مشيراً إلى أنه فى حال توافر معدات يمكن للمصنع أن يجمع 75 ألف طن أمام ما يتم جمعه خلال العام بـ30 ألف طن فقط، موضحاً أن المساحة المنزرعة بمحصول الذرة 96 ألف فدان، والمصنع يستهلك 10% فقط والباقى يُحرق ما يسبب السحابة السوداء وتلويث الهواء، وأن الفلاح فى حالة تشوينه البوص يتم تحرير محضر له وفى حالة حرقه يتم أيضاً تحرير محضر له، والبوص لا توجد له استخدامات، وأضاف أنه يشارك فى العديد من المعارض بالدول العربية والأوروبية لعرض ما يتم إنتاجه، موضحاً أنه يشعر بفخر كبير عندما يشاهد علامات الإعجاب والدهشة عندما يعلمون أن هذا المصنع هو الأول من نوعه وموجود فى الصعيد، مؤكداً أن طموحه أن يتم تكرار التجربة للحد من السحابة السوداء وتلوث الهواء والحصول على منتجات بتكلفة أقل.