درجات قليلة يحاوطها «درابزين» على التُراث القديم، في زقاق صغير في باب زويلة، يبعُد عن إزعاج محلات الفوانيس وأغاني رمضان التي لا تكاد تُغلق سوى بضع ساعات في اليوم.. هنا شقة عم «محمد سيد عيد»، لا تزال تحتفظ برونقها القديم، فور دخولها ستشعر بأنك عدت بالزمن للعصر القديم.
ولد عم «محمد» في 1957 في شارع المعز تحديدًا في باب زويلة، وتوارث حرفة النجارة عن والده لكن قلبه كان متعلقًا بصناعة الفوانيس: «أبويا كان نجار فـ اتعلمت منه الحرفة، واتجوزت وخلفت والدنيا سحلنتي معاها، بس حُب الفوانيس كان في قلبي لحد ما قررت اشتغل في صناعتها».
كان الأمر أشبه بالمقامرة التي يمكنها أن تنهي كل شيء، أو يبدأ معها عم «محمد» حياة جديدة، وما زاد الأمر صعوبة متطلبات الحياة ووجود 5 أطفال يحتاجون للمصاريف: «فكرة المسؤولية هي اللي كانت صعبة، أنا راجل متجوز وعندي بيت وعيال مسؤولين مني، مكنش ينفع اغامر واجري ورا حبي للفوانيس بس مقدرتش»
رغم أن ظروف الحياة لم تكن لتساعده على الأمر، إلا أن مسقط رأسه كان السبب في حبه للفوانيس، ارتباط طفولته بها لم يكن بالأمر البسيط، فغلبه شغفه وحبه للفوانيس حتى قرر أن يمارسها بجانب مهنته الأساسية، واستمر في صناعة الفانوس الأول له 4 أشهر، في هذا العام لم يصنع سوى «فانوسين اتنين بس، مكنش عندي وقت اعمل أكتر منهم، وقلت فرصة أشوف هيمشوا في السوق ولا لأ».
كانت النتيجة كما تمنى عم «محمد» تمامًا، وجرى بيع الفانوسين بشكل سريع، ما حفزه للاستمرار وإعادة التجربة، فصنع في عامة الثاني 8 فوانيس، حتى ترك مهنة النجّارة وهو يبلغ من العمر 45 عامًا بقلب راضٍ.
يُصنع «عم محمد» 5 مقاسات للفانوس الخشب، يُباع الفانوس الصغير بنحو 250 جنيها، والأكبر بـ1550 جنيها.
في الوقت الحالي، يعد عم «محمد» آخر من يصنع الفوانيس الخشب في باب زويلة، وبرغم حبه الشديد للمهنة إلا أنه يرى أن هذا النوع من الفوانيس لن يستمر لمدة طويلًة، خصوصًا مع الارتفاع الملحوظ للأسعار في الفترة الحالية، ما يضع عم «محمد» أمام خياريّن، أما أن يتنازل عن جودة المنتج ليستطيع التجار بيعه، أو أن يخاطب فئة معينة وصفها بـ«الزبون المستريح أوي»،
وعلى الرغم من كل الصعوبات لا يستطيع «عم محمد» ترك مهنة صناعة الفانوس الخشب، فيقول: «اتولدت في باب زويلة، المكان اللي كان بيصنع الفوانيس ويصدرها للعالم كله، أنا اتربيت على الفوانيس الحقيقية مش اللعب اللي موجودة في الأسواق دلوقتي».
لمشاهدة الفيديو الرجاء الضغط على رابط الخبر الأصلي.