كمَن يحاول النجاة من غرق محتوم، تقوم قناة الجزيرة في الوقت الحالي بالعديد من الطرق من أجل استعادة مكانتها السابقة عربيًا وربما دوليا، بعدما بدا واضحًا لفظ أغلب الشعوب للمحتوى الذي تقدمه، وتقدم قنوات محلية وعربية عنها في الترتيب العالمي.
كانت أحد تلك المحاولات ما قامت به القناة القطرية، أمس، من إطلاق اختبار يبدو كوميدي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يدعو رواد السوشيال ميديا إلى إدخال بياناتهم والسماح لذلك الاختبار بالإطلاع على بياناتهم في مقابل أن يخبرهم ماذا تقول الأخبار عنهم.
وبمجرد الدخول إلى ذلك الاختبار تجد لوجو قناة "الجزيرة" ما يتضح أنه مدعوم من القناة القطرية، وبالفعل استخدم أكثر من 10 ملايين شخص ذلك الاختبار على مستوى العالم في ساعات قليلة، ظنًا منهم أنها مجرد لعبة كوميدية بعدما انتشر الاختبار كالنار في الهشيم.
هناك احتمالين تحدث عنهم خبراء تكنولوجيا المعلومات، الأول هو هدف قناة الجزيرة إلى الترويج لنفسها مرة آخرى بعدما انخفضت نسبة مشاهدتها خلال السنوات الماضية من خلال نشر هذا الاختبار بين رواد السوشيال ميديا، والثاني هو عملية اختراق للاطلاع على المعلومات والبيانات الخاصة بالمستخدمين.
خبير: الجزيرة تحاول العودة إلى الساحة
ذلك ما يؤكده المهندس وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات، بإن الهدف الذي تقوم به معظم تطبيقات مواقع التواصل واضح، حيث إنها تحصل على بيانات المشاركين بشكل مستتر، لكن ما فعلته قناة الجزيرة فهو فجّ للغاية وواضح هدفهم وهو الترويج لنفسهم على المنصات المختلفة.
حجاج يقول في تصريحاته لـ"الدستور": "أى لعبة مجانية هدفها سحب المعلومات وهناك ألعاب لها أغراض متعددة سواء سياسية أو دينية أو ربحية، والمستخدم هو المستهدف من ذلك في النهاية، فالجزيرة تحاول الترويج لنفسها من جديد من خلال نشر تلك الاختبار".
يضيف: "مثلما يحدث في المواقع الايباحية يجد الشباب أن صورهم مسربة في مواقع أخرى ويحدث ذلك عندما يضغط على أى زر وبالتالي ممكن ان يفتح الكاميرا دون قصد، كذلك في أى لعبة الضغط على play ممكن يكون هناك كود خلفه، لذا لا بد ان نأخذ حظرنا".
وللأمان يوضح حجاج: "يجب أن تقوم بغلق الكاميرا باستيكر ولا بد من زيادة أمان الحسابات الشخصية"، محذرًا من إرسال أي كود يستقبله الهاتف لأي شركة أو رقم يوهمك بأنه يؤكد الحساب من قبل شركة فيسبوك أو واتس آب وعدم السماح لأي تطبيق بالاطلاع على ما يدور في الجهاز الشخصي إلا إذا كان تطبيق معروف باتباعه وسائل الآمان.
بالأرقام - الجزيرة تغرق في نسب المشاهدات
كانت تحتل قناة الجزيرة مكانة ضخمة إعلاميًا على المستوى العربي والعالمي حيث تأسست في 1996، كأول قناة فضائية إخبارية في الشرق الأوسط تبث على مدار الـ24 ساعة، لا سيما خلال أعوام ثورات الربيع العربي حيث تصدرت قائمة القنوات الإعلامية الأعلى مشاهدة.
لكن الأمر لم يدم كثيرًا وفهم أغلب المشاهدين الهدف الأساسي من القناة وهو بث الشائعات والأكاذيب، ما جعلها تخسر الملايين من مشاهديها في السنوات الأخيرة، بعد اتهماها بالتحيز في تغطيتها للأحداث السياسية في أعقاب الربيع العربي عام 2011.
وتدلل الأرقام الرسمية بالفعل على انخفاض المشاهدات الخاصة بالقناة القطرية، وهو الأمر الذي دفعها للبحث عن وسائل آخرى لاستعادة مكانتها مثل نشر ذلك الاختبار، ففي آواخر 2019 كشف راديو "أوستن" عن حدوث خسائر داخل القناة بسبب قلة المشاهدين العرب في القناة الناطقة باللغة العربية والإنجليزية.
وأعلن وقتها الراديو أن مجلة "افتنبلاديت" السويدية كشفت وفق تقرير سري خاص حصلت هبوط عدد المشاهدين للقناة خلال آخر عامين بنسبة تخطت الـ86%، ففي تونس انخفض عدد المشاهدين من 950 ألف مشاهد إلى 200 ألف مشاهد، في حين وصلت 20% في مصر، و26% في البحرين، حيث أن كل من خمسة مشاهدين توقف أربعة عن مشاهدتها.
وفي مصر تحديدًا بحسب المجلة السويدية، حصدت كل من قناة الحياة والمصرية الأولى نسبة 23% من المشاهدة لكل منهما، فيما احتلت BBC المرتبة الثالثة بنسبة 21% وجاءت الجزيرة في المرتبة الرابعة بنسبة 20%.
ووصلت نسبة الانخفاض في كل من العراق وسوريا ولبنان والسعودية والبحرين والجزائر والسودان من 60- 90%، ما يدل على انخفاض دراماتيكي في عدد مشاهدي الجزيرة في المنطقه العربية وربما في كل أنحاء العالم.
وكشفت دراسة سابقة قامت بها شركات الأبحاث الدوليتان المستقلتان "إبسوس وسيجما" المختصتان في قياس الجمهور عن تراجع مشاهدي القناة القطرية من 43 مليون مشاهد يوميًا إلى 6 ملايين، وأرجعت الدراسة التراجع في مشاهدة الجزيرة إلى عدم الفصل بين الأجندة السياسية لدولة قطر والخط التحريري للقناة.
وفي 2014، كشف تقرير لمؤسسة "ماروك متري" المختصة بقياس الجمهور والإعلام، عن استمرار انخفاض نسبة مشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية في المنطقة العربية للسنة الثانية على التوالي، من بينهم المغرب التي أصبحت القناة القطرية تحتل فيها المرتبة السابعة، من حيث نسب مشاهدة القنوات الأجنبية في المغرب، بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة في العام 2013 والثانية في العام 2012.
وفقدّت قناة الجزيرة بريقها وفق تقرير نشره موقع Fanack الهولندي أواخر 2019، مرجعًا ذلك إلى مشاكل في مصداقيتها، عوضًا عن الثورة في وسائل الإعلام الرقمية، التي جعلت الجزيرة تتذيل قائمة القنوات الأكثر مشاهدة عالميًا.
ومثلما يقوم المثل "شهد شاهد من أهلها"، فقد خرجت دراسة في ذات التوقيت من جامعة نورث ويسترن القطرية تؤكد أن شعبية قناة الجزيرة تتضاءل في البلدان العربية التي شهدت ثورات، وأظهرت الدراسة التي حملت عنوان "استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط"، أن قاعدة مشاهدي القناة بلغت 4% في قطر ذاتها.
ماذا تقول الأخبار عنك: ماذا عن توجهاتك؟
يؤكد الدكتور محسن السيد، خبير أمن المعلومات أن اختبار الجزيرة الذي نشرته على مواقع التواصل، محاولة لإثبات وجودها مرة أخرى على الساحة عن طريق تداول اللوجو الخاص بها على هذا الاختبار الذي يبدو نوعًا من الترفيه والكوميديا.
ويقول لـ"الدستور" إن مثل هذه الطرق معروفة وتستخدم في دول العالم ليس كهكر للحسابات الشخصية، لكن للحصول على مفاتيح الدخول للأفراد؛ لاستخدام بياناته في معرفة توجهاته وميوله ومن ثم تقديم محتوى يتناسب مع هذه الأفكار والمعتقدات بما يخدم أهدافهم.
يضيف السيد: "كثير من الدول والشركات تعتمد على دراسة سلوك الشعوب وعاداتهم وثقافتهم من خلال المحتوى المقدم في هذه الاختبارات؛ وبالرغم من حظر القاهرة لموقع الجزيرة على جوجل، قامت الأخيرة باختراق الشعوب من خلال فيسبوك لعدم سيطرة الحكومات عليه".
يوصل: "وذلك لإعادة تواجدها مرة أخرى بشكل قد يبدو فكاهي للوصول إلى مفاتيح الدخول للمستخدمين وهي نفس الطريقة التي استخدمتها روسيا مع أمريكا في الانتخابات قبل الأخيرة واستطاعت موسكو جمع نحو 80 مليون حساب على فيسبوك بأمريكا".
ويشرح خبير أمن المعلومات أن من أكثر العادات الثقافية السيئة للمصريين السير وراء الغيبيات، بمعنى الفضول لمعرفة المستقبل؛ وهو ما لعبت عليه الجزيرة ويندرج تحت مسمى "علم الهندسة الاجتماعية" واللعب على سلوكيات البشر وتحريك الغرائز للحصول على المعلومات.
ليست الجزيرة وحدها التي تقوم بمثل هذا التكتيك بحسب خبير أمن المعلومات، الذي يؤكد أن كثير من الدول تستخدمه للحصول على معلومات وجمع بيانات خاصة بالحسابات؛ ناصحًا مستخدمي مواقع التواصل بضرورة عدم الإنسياق وراء هذه الاختبارات؛ لأن القاعدة الأساسية في استخدام الإنترنت هو إذا لم تدفع مقابل الخدمة التي تستخدمها فإنت المنتج.
ليلى عبد المجيد: اختراق الحساب الشخصي يحدث بسبب المستخدم نفسه
حلّلت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، أستاذ الأعلام بإعلام القاهرة ظهور لوجو قناة الجزيرة على اختبار القناة القطرية بأنه وسيلة لجمع معلومات وتحليل لبيانات المستخدمين، ومحاولة جذب مجموعات من الجمهور إلى متابعة القناة مرة أخرى.
وتوضح عبد المجيد أن القناة تستغل بيانات المستخدمين في إصدار نتائج عن دراسات بدون علمهم كذلك تستخدم في تكوين صورة عن الأشخاص أنفسهم، محذرة من مخاطر مثل هذه الاختبارات باعتبارها اختراق الخصوصية وتلاعب بأحلام الناس وطموحاتهم المستقبلية.
وأضافت أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: "اختراق مواقع التواصل يعتمد بنسبة كبيرة على خطأ من قبل الشخص المستخدم وقلة خبرته في التعامل مع السوشيال ميديا، فهناك كثير من الألعاب مثل زوجتك أو ابنك المستقبلي يدفع الفضول المستخدم لمعرفة النتيجة ويقوم بممارسة اللعبة، فهناك آلاف الألعاب التي تعتمد على إثارة الفضول في المستخدم وهو ما يتيح، أيضًا، بعد معرفة هواياته ومعلومات عنه في تحليل بياناته".