الوطن
100%
نسبة التقييم

خير المجتمع والمرأة

خير المجتمع والمرأة
بينما يحتفى العالم بالـ16 يوماً المخصصة لمناهضة العنف ضد النساء، ربما علينا أن نولى نساء مصر وفتياتها وطفلاتها بعض التفكير فيما آلت إليه أوضاعهن ومكانتهن فى المجتمع.

لكن قبل أن نفعل ذلك علينا أن نجتاز أكذوبة أننا نكرم المرأة ونحترمها ونبجلها أكثر من غيرنا من المجتمعات التى «تتظاهر» بأنها تحترمها عبر إطلاق حريتها دون قيود، وهو الكليشيه الذى نضحك به على أنفسنا وعلى أبنائنا وأحفادنا على مدار نحو نصف قرن، وتحديداً منذ اعتنقنا ثقافة حجب المرأة.

لقد خلطنا بين احترام المرأة عبر التسليم بأنها واحد صحيح لا يحتاج إلى مكملات، وبين احترامها عبر تنشئتها على مفهوم أنها ضعيفة وناقصة وغبية وغير قادرة على التفكير وأخذ القرارات المهمة فى حياتها.

والأدهى من ذلك أن بيننا من نجح بامتياز فى أن يجعل من المفهوم الأخير مفهوماً دينياً، حتى بات البعض يعتقد أن الدين ينظر إلى المرأة نظرة دونية. هذه الدونية يجمّلونا تارة عبر نعتها بأنها «التركيبة النفسية للمرأة التى تجعلها كائناً هشاً ضعيفاً غير مسئول عن أفعاله» وأخرى باعتبارها الكائن الأضعف بالفطرة والذى تنص النصوص الدينية على حمايته عبر سلبه القدرة على التفكير وأخذ القرارات بما فى ذلك قرارات التعليم والإنجاب والعمل وغيرها.

وتمت شيطنة جهود توعية المرأة بحقوقها، والتفرقة بين ما نص عليه الدين وما نص عليه أدعياؤه الذين قرروا أن يحتكروا التفسير والتحليل.

وبينما الفعاليات الواقعية والافتراضية تدور فى دول عدة فى العالم أثناء الـ16 يوماً ضمن اليوم الدولى لمناهضة العنف ضد النساء بلفت الانتباه إلى تزايد معدلات العنف الممارَس ضد النساء والفتيات فى ظل كورونا، لا سيما العنف المنزلى الناجم عن الإغلاق، أو حرمان ملايين النساء من الحصول على الرعاية الصحية وخدمات تنظيم الأسرة، أو حرمانهن من التعليم والزج بهن إما فى سوق العمل أو سوق زواج الأطفال مع صعوبة الوصول إلى خدمات الدعم النفسى، يمكن أن نضفى على المناسبة خصوصية مصرية خالصة.

المرأة المصرية التى التقطت طُعم تكريمها عبر الاستهانة بها وتنشئتها على أنها كائن ناقص وأنها فى حال اعترضت على دونيتها أو ثارت على تحجيمها أو اقتنصت حقوقها، فهى إما خارجة على الملة أو خارجة على قواعد المجتمع.

اختلاف شاسع بين التكريم والاستهانة. وإلباس الاستهانة رداء التكريم لا يمكن أن يستمر حتى وإن طال خضوع الملايين لغسل الأدمغة.

كتبت من قبل أن فرق السماء من الأرض بين إفساح الطريق فعلياً أمام النساء والفتيات ليخضن الحياة باعتبارهن واحداً صحيحاً وليس نصفاً أو ربعاً أو ثمناً منتقصاً، وبين إغراقهن فى مسميات كاذبة ومنافقة ومداهنة تحت مسمى التكريم.

متابعة أحوال النساء المصريات هذه الآونة كاشفة. ملايين النساء فى مصر يهدرن سنوات عمرهن فى محاولات منافية للمنطق من أجل الاقتراب من صورة النموذج المثالى للمرأة فى المجتمع بمعايير سبعينات وثمانينات القرن الماضى، فحين يتم تلقين المرأة منذ نعومة أظافرها أنها ناقصة وغبية ومحدودة ومسكينة، فهى تبذل جهداً مضاعفاً لإجهاض أفكارها البناءة ومواهبها المتفردة وقدراتها الفذة وأحلامها الخفاقة، ظناً منها أن كل ما سبق يدينها.

وبينما المرأة عندنا مدانة لأنها امرأة، فإن أغلب الكوكب حسم أمره منها وأقر أنها إنسان. وما يدعو للتفاؤل أن مجتمعات ننظر إليها اليوم باعتبارها نموذجاً يُحتذى فى تحقيق المساواة وحماية الحقوق بالقانون كانت فى يوم ما تعانى ما نعانيه. فمثلاً أوروبا كانت غارقة فى إخضاع كل ما يتصل بالمرأة للكنيسة، ورجالها يحددون مصيرها، لكنهم خرجوا من هذه الهيمنة التى لا تمت لصحيح الدين بصلة. لكن ما يدعو إلى البؤس هو أنهم مروا بما نمر به فى العصور الوسطى.

عملية شيطنة المرأة الدائرة رحاها فى المجتمع المصرى تمكنت منه حتى أصبحت شيئاً عادياً يستسيغه المجتمع بل ويستطعمه. والأدهى من ذلك أنه بات ينظر إلى محاولاتها الخروج من هذه العباءة باستهجان كثيراً ما يلقى مباركة جهات كنا نتوقع أن تكون أكثر جرأة فى مواجهة طوفان الرجعية.

ولتكن فعاليات مناهضة العنف ضد المرأة والمستمرة من يوم 25 نوفمبر الجارى إلى 10 ديسمبر المقبل فى مصر فرصة لتحرير عقل المرأة المصرية من شعورها المزمن بالذنب لأنها أنثى.

هى ليست دعوة للتعرى والانفلات الجنسى، كما يحلو لمعتنقى الفكر الضحل أن يروجوا، لكنها دعوة للمرأة المصرية أن تؤمن بأنها إنسان كامل الحقوق والواجبات. وإذا اقتنعت المرأة المصرية بأنها تستحق أن تكون إنساناً، ستفرض هذه القناعة نفسها على باقى المجتمع. باقى المجتمع المصرى لن يكون بخير إلا إذا أصبحت المرأة المصرية نفسها بخير.

تعليق المقيم

كاتبة المقال قدمت وجهة نظرها حول معاملة المرأة في المجتمع  وخاصة مع تزامن فعاليات مناهضة العنف ضد المرأة والممتدة من  نومفبر الجاري وحتى 10 ديسمبر المقبل، كما طالبت في سياق موضوعها أن تفرض المرأة نفسها في المجتمع كإنسان كامل، معتبرة أن المجتمع لن يكون بخير إلا إذا كانت المرأة بخير أولًا.

تعليق الصحفي
No Comment
التقييم المفصل
هل نسب المحرر الصور إلى مصادرها؟
نسب الصور لمصدرها

صورة صاحبة المقال أمينة خيرى.

تم نقل النص من الوطن 2020-11-28 10:46:25 تصفح أصل المحتوى
أبرز الأخطاء
جيد
حقوق الإنسان
جيد
100%
المصداقية
جيد
100%
الاحترافية
جيد
100%
نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية
//in your blade template