ظرف طارئ يعيشه العالم خلال الفترة الحالية منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، شهدت خلالها مناحي الحياة تغيرات كبيرة، سواء حالة الذعر التي يعيشها سكان العالم بسبب تزايد أعداد الإصابات وتحول فيروس كوفيد-19 إلى وباء عالمي وتخطي أعداد الإصابات 4 مليون إصابة، وعدد الوفيات أكثر من 300 ألف وفاة، أو وفيما يتعلق بالمناشدات التي أطلقتها الحكومات على مستوى العالم بالبقاء بالمنزل وعدم الخروج إلا في حالة الضروة القصوى.
يعتبر كوفيد-19 إحدى سلالات فيروس كورونا، وهي سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، هذا وقد ظهر من قبل نوعان انتشرا بشكل واسع في العالم ينتميان إلى نفس السلالة وهما متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، والمتلازمة التنفسية الحادة (سارس)1.
وبالرغم من كل هذا هناك عدد من الفئات في المجتمع لا يمكنهم أن يبقوا في منازلهم، وأن يلعبوا دورًا في هذه الأحداث، من بينهم العاملين في المجال الإعلامي، حتى يتاح للجمهور معرفة الأخبار وأخر المستجدات بشكل مستمر.
وبالرغم من الجهد الذي تبذله وسائل الإعلام والدور الهام الذي تلعبه، هناك بعض الأخطاء التي وقعت بها عند تغطية أخبار فيروس كورونا المستجد، وهو ما نستعرضه في النقاط التالية:
أولًا: في بداية انتشار الفيروس لم تحذر وسائل الإعلام بشكل مباشر وواضح من خطر الأزمة، وإمكانية تحول الفيروس إلى وباء، أو الإشارة إلى خطورته، مثل ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية حينما لم تطلب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، من الدولة وقف التجمعات بعد أسابيع من إعلان مسؤول كبير في مركز السيطرة على الأمراض أن الفيروس سيبدأ في الانتشار في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأيضًا بعد إخبار الأمريكيين لأشهر بأنهم لا يجب أن يرتدوا الأقنعة إلا إذا كانوا مرضى. وبعد ذلك جعلت الحكومة هذه النصيحة رسمياً في 3 أبريل، وألزمت الجميع ارتداء "كمامات" في الأماكن العامة.
ثانيًا: نقل وسائل الإعلام تصريحات منسوبة لأشخاص مسئولين، ولكن يتضح فيما بعد خطأ تلك التصريحات، مثلما قام به مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الأمريكي أنتوني فوسي، الذي أصبح الآن المسؤول الأكثر ثقة في الحكومة الفيدرالية عندما يتعلق الأمر بـ"كوفيد-19"، حيث كان في أواخر فبراير يطلق على خطر الإصابة بالفيروسات التاجية "ضئيلة"، وأنه يجب القلق بدلاً من ذلك بشأن بـ"تفشي الإنفلونزا"، التي تعاني من موجتها الثانية.
ثالثأ: في بداية ظهور المرض كان الصحفيون يلجأون إلى منظمة الصحة العالمية، ووزارات الصحة والجهات المختصة في دولهم، ولكن مع عدم وضوح الرؤية وعدم توفر المعلومات الكافية، كانت تنتقل العديد من المعلومات ضمن الأخبار غير دقيقة أو متناقضة، أو معلومات يتم نشر نفي لها فيما بعد، وهو ما علق عليه جو كان ، مدير تحرير صحيفة نيويورك تايمز ، لـ Recode: ربما يكون الحل الوحيد الذي يملكه الصحفيون ببساطة هو أن يقولوا "الخبراء الذين تحدثنا إليهم ليسوا متأكدين، لكنهم يحاولون معرفة ذلك"، أيضًا نجد عالم أوبئة في كلية الطب بجامعة هارفارد، صرح لموقع BuzzFeed News في أواخر شهر يناير - في قصة بعنوان "لا تقلق بشأن فيروس كورونا، القلق بشأن الإنفلونزا، أن بعض أسوأ التوقعات حول سرعة المرض كانت سابقة لأوانها وليست أكيدة".
رابعًا: أدى غياب الصحفيين المتخصيين، والمسئولين عن الأقسام العلمية، وقلة عددهم في أغلب وسائل الإعلام، إلى غياب الرسائل التحليلية، وهو ما أشارت إليه زينب توفيكسي، الأستاذة في كلية المعلومات وعلوم المكتبات بجامعة نورث كارولاينا والمتخصصة في التقاطع بين التكنولوجيا والمجتمع، أنه كان يجب على وسائل الإعلام أن تكون قادرة على فهم التهديد الذي يواجه البلاد قبل ذلك بكثير.
خامسًا: لجأت عدد من وسائل الإعلام إلى الاعتماد على الرسائل التي تطمئن المواطنين وتحاول ألا تثير الذعر فيما بينهم، أكثر من كونها رسائل توعوية وتحذيرية من خطورة انتشار الوباء، وهو ما نجده في مقال يوم 29 يناير الماضي تم نشره في أكسيوس2، عن طبيب الأمراض المعدية في جامعة نبراسكا، وأخصائي الأوبئة في جامعة ميشيجان، وأستاذ الطب الوقائي في جامعة فاندربيلت، بأن الأنفلونزا يجب أن تكون مصدر قلق حقيقي للأمريكيين، وأيضًا من ضمن رسائل الطمأنينة كانت من خلال طبيب الأمراض المعدية في مركز ستانفورد للرعاية الصحية، الذي أشار إلى أن فرص الإصابة بالفيروسات التاجية منخفضة بشكل كبير، حيث أنه من الصعب أن تنتقل لك العدوى في العمل أو في مكان عام.
سادسًا:اعتماد قطاع كبير من الجمهور على وسائل إعلام تقوم بنقل الحقائق مبتورة، أو من وجهة نظر متحيزة، مثل وسائل الإعلام المؤيدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي نقلت عنه تصريح يتوقع فيه أن يختفي الفيروس "بأعجوبة"، وهو ما جعل لورا هيلموث، التي كانت محررة الصحة والعلوم في واشنطن بوست وغادرت مؤخرًا لتصبح رئيسة تحرير مجلة ساينتفيك أمريكان، تقول "إن المعلومات الخاطئة من إدارة ترامب هي التحدي الأكبر". مشيرة إلى أن الصحفيون الجيدون حقًا يضيعون الكثير من الوقت في دحض المعلومات الخاطئة من البيت الأبيض.
سابعًا: إهمال الأخبار المتعلقة بانتشار الفيروس حول العالم، وعدم التحذير منه، على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية كانت وسائل الإعلام تنقل الأخبار المتعلقة بانتشار كورونا كأخبار هامشية، في حين كان يتم التركيز على أخبار هامشية مثل استعراض الترشيحات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وأيضًا خبر الحكم الصادر على المخرج الأمريكي هارفي وينشتاين في قضية الاعتداء الجنسي، وفي حين نقل أخبار تتعلق بانتشار فيروس كورونا المستجد كانت الأخبار مثل التركيز على قرار ترامب بتكليف مايك بنس بمسؤولية فريق الاستجابة للفيروسات - بدلاً من إخبار الأمريكيين بوضوح أنهم قد يواجهون خسائر فادحة في الأرواح واقتصادًا مدمرًا.
ثامنًا: اعتقاد بعض الإعلاميين أن نقل الأخبار المتعلقة بالفيروس غير ضروري، ومن الممكن أن تثير الذعر، مثلما قال بريان ستيلتر، مراسل CNN لوسائل الإعلام، في 10 مارس، أن نقل أخبار كوفيد-19 من الممكن أن يسبب "خوفًا لا مبرر له"، وهو ما انعكس على تغطياته المتتالية، حيث أنه أشار إلى قيامه بحذف كلمة "قاتل" عندما يصله تغطيه بها فيروس كورونا القاتل، وأضاف "الكل يعرف أنه فيروس قاتل، لست مضطرًا إلى تسميته" فيروس قاتل "في كل مرة، إنه فيروس. نحن لا نطلق على الإنفلونزا (الأنفلونزا القاتلة)".
تلك الأخطاء لا تنكر الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، والذي يجب أن يكون توعويًا خلال الفترة الحالية، مع استمرار انتشار الفيروس، كما يجب أن تقوم بتسليط الضوء على خطورة الفيروس وعدم الاستهانة به، حتى يتم تحجيمه قدر الإمكان، ويتم اكتشاف علاج أو لقاح له، كما أنه من المفترض الاستعانة بالمتخصصين والمصادر الرسمية في معرقة البيانات والمعلومات المتعلقة به.
المصادر:
Topics that are related to this one