مساء الخميس، داخل مدينة جازان السعوديّة، أقصى الجنوب الغربي للملكة، وقف الشاب العشريني، أحمد طه، داخل صيدلية «النهدي»، كعادته أثناء الوردية الليلية، كانت حركة البيع والشراء هادئة مثل برودة الطقس المُحيط، لحظات ودخل إلى الصيدلية، زبون سعودي، في العقد الثالث من العُمر، تسلل وراء الصيدلي الشاب، ثم طعنه 7 طعنات بسلاح أبيض، حاول الصيدلي الشاب الدفاع عن النفس، لكنه تلّقى طعنة أخيرة استقرت في القلب، فأعادته «غريبًا كما كان».
«الاسم.. أحمد طه.. السن.. 29 عامًا»، بكلمات متقطعة وصوت مبحوح، عرّف محمد.أ، 30 سنة، مندوب مبيعات لإحدى شركات الأدوية السعودية، هوية الضحية، أحمد طه، لم يتوقّع «محمد» أن صديقه و«زميل غربته» ستنتهي حياته بهذا الشكل، كمّا يقول:«غريبًا في بلد غريب».
فيما كانت عقارب الساعة تُشير إلى السادسة مساءً، تلقى «محمد» اتصالاً هاتفيًا، يقول: «في حادثة حصلت داخل صيدلية النهدي في جازان»، وبحكم عمله كمندوب لشركة أدوية، يعرف أغلب الصيادلة المصريين الذين يعملون في الصيدليات السعودية، فعلى الفور، ذهب «محمد» إلى الصيدلية، ليجد صديقه غارقًا في دمه، إثر تلقيه طعنات قاتلة من أحد الزبائن.
يقول «محمد» إنه تم نقل جثمان «أحمد» إلى مستشفى «العميس» داخل نفس المدينة، لكن الموت لم يمنح صديقه فرصة أخيرة ليودّع من حوله، أو يُخبرهم رسالة أخيرة يحملونها معهم إلى أهله في مصر، كما يقول: «الطعنات كانت نافذة وخطيرة، أحمد كانت ايده فيها جروح، لكن الطعنة الأساسية وصلت للقلب، فتوفى أول ما وصلنا المستشفى».
ومن مستشفى «العميس» إلى مستشفى «جازان العام»، نُقل جثمان الصيدلي الشاب، كما يروي صديقُه «محمد»، طُرقات مظلمة من بوابة المستشفى إلى غُرفة حفظ جثامين الموتى، سارَ جثمان «أحمد»، مُحاطًا ببكاء أصدقائه الذين أبعدتهم لقمة العيش عن الوطن، ليروا جثمان صديقهم يستقر في داخل ثلاجة حفظ الموتى، «هو ذنبنا إن إحنا بنجري على لقمة العيش».. يقولها «محمد» ثم يبكي.
تفاصيل الحادث، سجلّتها كاميرات الصيدلية، ونُشرت في مقطع انتشر مُنذ ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تطابق مشاهد المقطع المُسجل مع رواية صديقه «محمد»، الذي قال: «في زبون سعودي اشترى (بامبرز) من الصيدلية، وجه يرجعها بدون فاتورة، أحمد أخبره بنظام الصيدلية، الذي ينص على ضرورة وجود فاتورة، فقام السعودي بإهانة أحمد»، لم يتقبل الصيدلي المصري الإهانة اللفظية، رحل الزبون، ثم عاد في اليوم التالي، أمس الخميس، وانتقم.
عندما أهان الزبون السعودي، الصيدلي المصري الشاب، ابتلع الإهانة، بحكم «لقمة العيش»، لكنه اتصل بوالدته في مصر بعد ما حدث، في موعد مكالمته اليومية، فأخبرتهُ: «بلاش تعمل مشاكل مع حد.. خاف على نفسك.. وخلي بالك»، ثلاث جمل نصحت بها الأم ابنها المُغترب، حسبْ رواية صديقه، أحمد جمال، 28 سنة، مهندس معماري، مُقيم في السعودية، والذي أضاف معلومات شخصية أخرى عن الضحية: «أحمد أعزب، اتغرّب عشان يساعد أهله، خصوصًا والده مريض القلب».
كانت أحلام الشاب الصيدلي «بسيطة»، كما روى لنا صديقه «جمال»، إذ قال: «كان نفسه يفرّح أهله ويتجوز»، لكنه رحل قبل أن يُحقق أحلامه، يصمتْ «جمال» للحظات، ثم يتذكّر أنه كان على موعد مع صديقه الذي عرفه بحكم الغربة، اليوم الجمعة، إلا أنه سيذهب ليُلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة في «ثلاجة الموتى»، متمنيًا أن تصبح «بردًا وسلامًا».