حريق الموسكي الأخير، الذي وقع الاثنين الماضي، يُعد الحادث رقم 12 في سلسلة الحرائق التي وقعت بالشارع على مدار السنوات الخمس الماضية في مشهد يعيد إلى الأذهان تكرار الحرائق في واحد من أكثر الشوارع التجارية المكتظة بالبضائع والمارة في القاهرة.
وبحسب الباعة، تنحصر أسباب اندلاع الحرائق إما بسبب "ماس كهربائي، أو "عقب سيجارة"، أو مشاجرة بالمولوتوف، أو أسلاك كهرباء عارية في أعمدة الإنارة التي يسرق منها الباعة الجائلون التيار الكهربائي، حسب معاينة الأجهزة التنفيذية لعشرة حوادث وقعت في الشارع.
مساء الإثنين الماضي، ليلة اندلاع الحريق، وعلى غير المعتاد أغلقت المحال التجارية في الشارع أبوابها بالثامنة مساءً، بسبب انقطاع التيار الكهربائي. هدأ ضجيج الشارع وقل الزحام، ومع اقتراب عقارب الساعة من العاشرة مساءً، عاد التيار الكهربائي ليعود معه الضجيج إلى الشارع مرة أخرى بعد تصاعد ألسنة اللهب من العقار رقم 6.
من محل بالدور الأرضي خرجت النيران لتلتهم 3 طوابق من العقار المكون من 6 طوابق، ويقع في شارع الموسكي مع تقاطع شارع بورسعيد على ناصية أحد الممرات الفرعية المؤدية إلى حارة اليهود. "مصدر النار محل الحاج خالد في الدور الأرضي"، حسبما يقول "منصور النبراوي"، أحد الباعة الجائلين بالقرب من المبنى المحترق. انتقلت النيران سريعًا إلى الطوابق العليا من العقار، كذا محل لعب الأطفال الملاصق للمول، ساعد على ذلك وجود "ولاعات وعبوات بيروسول وغيرها من المواد الأخرى القابلة للاشتعال، والتي تتواجد بكميات كبيرة وتباع بالدستة"، وفق النبراوي.
يرى اللواء محمد أيمن عبد التواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية والشمالية، أن حرائق الموسكي والعتبة وغيرها من الأماكن التجارية "طبيعية ووارد حدوثها في أي مكان في العالم بسبب خطأ أو إهمال أو جهل"، وفق قوله لمصراوي.
الإجراء الأساسي في التعامل مع الحرائق هو مراجعة الالتزام باشتراطات الحماية المدنية المتعلقة بالإطفاء الذاتي، والتأمين، ومصدر الكهرباء، وغيرها من معايير الأمن الصناعي، وفي حالة وجود مخالفة لهذه المعايير يتم إغلاق المحل التجاري حتى يلتزم صاحبه بهذه الشروط، وفق "عبد التواب". يقول أيضًا إن غياب معايير السلامة المهنية ليس وحده ما يساهم في زيادة خسائر الحرائق؛ فعدد كبير من العقارات بالشارع تقع في مخالفات قانونية، إذ إنها تحوّلت من عقارات سكنية إلى تجارية بالمخالفة لقانون البناء.
نائب محافظ القاهرة يقول إن هناك محاضر حررت بالفعل للعقارات السكنية التي تحوّلت إلى مبان تجارية ومخازن وورش، غير أن العدد الكبير للحالات المخالفة يعوق اتخاذ إجراءات فعلية ضد العقارات المخالفة: "إحنا بنتعامل مع منطقة بيطلع منها 60% من التجارة الداخلية لمصر، وهناك كم كبير من المخزون والتعاملات التجارية، وحركة بيع وتخزين متواصلة. الموضوع مش بسيط".
على نفس المنوال، يذكر المهندس ناصر رمضان، رئيس حي وسط القاهرة، لمصراوي، إنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد العقارات المخالفة بالغلق والتشميع والغرامة اليومية: "الحملات تكون بصفة مستمرة بالاشتراك مع الهيئات المختلفة مثل الحماية المدنية والصرف الصحي وغيرها".
حريق الموسكي (2)حريق الموسكي (3)حريق الموسكي
وأغلب محلات العقار الذي اشتعلت فيه النيران، لا تحمل تراخيص ممارسة نشاط كشركة تجارية أو مكاتب توزيع باستثناء محلات الدور الأرضي والدور الأول علوي فقط. وتتوفر في المحال المرخصة عوامل الأمن الصناعي مثل طفايات الحريق، وذلك على عكس الأدوار العلوية. يتساءل "خالد نصر" صاحب أحد المحلات بالعقار: "هتعمل إيه طفايات الحريق والمحلات كانت مغلقة؟".
ويتنوع نشاط الأدوار العلوية بين مخازن وورش صغيرة، منها مخازن خاصة بأصحاب المحال، وأخري مخازن يحفظ فيها الباعة الجائلون بضاعتهم.
وشارع الموسكي اشتهر بالأنشطة التجارية المتنوعة، ويمتد من ميدان العتبة حتى ميدان الأزهر ومسجد الحسين، وأطلق عليه في السنوات الأخيرة شارع القائد جوهر، ويتردد عليه الآلاف يوميًا ويزخر بالمحال التجارية المختلفة بدءًا من محال بيع الأدوات الكهربائية، مرورًا بمحال لعب الأطفال والمصنوعات الجلدية والصاغة وإكسسوارات السيدات وغيرها.
النشاط التجاري الكثيف في الشارع، حوّل الشقق السكنية إلى مخازن لتشوين البضائع مقابل 5 آلاف جنيه في الشهر، وهذا الوضع قائم منذ ثمانينات القرن الماضي، وفق "محمد سامي"، أحد العاملين بأحد المحلات الشهيرة للملابس الداخلية.
في التسعينات جاء الشاب إلى الموسكي، كان الوضع قائمًا بهذا الشكل وقتها، لكن الشقق السكنية كانت لا تزال موجودة في الأدوار العلوية جنبًا إلى جنب مع المخازن والمكاتب التجارية: "لكن دلوقتي اختفت الشقق تمامًا من شارع الموسكي، لكن لسه فيه شوية في آخر حارة اليهود بس بيقلّوا يوم عن يوم".
أما النوع الثاني من المخازن، وفق "سامي"، فيستأجرها الباعة الجائلون لتخزين بضاعتهم، مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 1000 إلى 2500 جنيه للغرفة الواحدة، حسب قربها من شارع الموسكي الرئيسي ومساحتها، وهناك بعض الباعة الجائلين يستأجرون دولابًا صغيرًا مقابل 80 جنيهًا في الليلة الواحدة.
ويبرر أحمد الصعيدي القادم من محافظة بني سويف لجوئه لاستئجار هذه الغرفة، حتى يتمكن من تشوين بضاعته ليلاً بدلًا من نقلها إلى مقر سكنه بالدويقة والعودة بها في اليوم التالي.
وقرب الشارع الشهير، هناك العديد من العقارات ذات الطابع المعماري الفريد مثل عمارة تيرنج بسوق الجوهري، وأيضًا مبنى لوكاندة البرلمان الذي تحول إلى مول تجاري، ويقع بالقرب من الشارع عدد من المباني الهامة منها: إدارة الدفاع المدني والحريق، مبنى هيئة البريد، مبنى قسم الشرطة، تياترو الخديوي (المسرح القومي الآن) وأيضًا دار الأوبرا المصرية، والتي احترقت عام 1968، ومقر المحكمة المختلطة خلف الأوبـرا والتي أزيلت أيضا عند إنشاء جراج الأوبرا.
في العقار الذي شهد الحريق الأخير، يتنوع النشاط التجاري ما بين ورش صناعية صغيرة، ومخازن خاصة بالباعة الجائلين وأصحاب المحالات. يرجع أحد العاملين بإحدى الورش الصناعية بالمبنى شدة الحريق وصعوبة السيطرة عليه إلى تواجد مخزن للألعاب النارية بالمبنى، ما تسبب في تفاقم الحريق الذي اندلع بسبب ماس كهربائي وقع بمجرد عودة التيار الكهربائي.
يقول نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية والشمالية، إن هناك حملات من الشرطة والأجهزة تمر بشكل دوري على المحلات الموجودة على مدخل شارع الموسكي بعد تقاطعه مع شارع بورسعيد، حيث تنتشر "فراشات" الألعاب النارية على جانبي الشارع بعد تقاطعه مع شارع بورسعيد، وتمتد لتتجاوز العقار الذي شهد الحريق.
ويصل حجم مبيعات الألعاب النارية في مصر إلى 100 ألف جنيه يوميًا، فيما يصل حجم استيرادها الشهري إلى 3 مليارات جنيه، وفق تصريحات صحفية لـ علي شكري، نائب رئيس الغرفة التجارية عام 2015، وتشتهر منطقة الموسكي والعتبة ببيعها.
ووفقًا لما نشرته وسائل إعلام مصرية فإن الأجهزة الأمنية ضبطت في الفترة من سبتمبر 2012 إلى يونيو 2018 ما يقرب من 13 مليون صاروخ ألعاب نارية.