فى العاشرة صباحا، تتجمّع سيدات جزيرة القرصاية الواقعة فى قلب النيل بالجيزة، أمام مقر عملهن فى مشروع تابع لمبادرة هادفة لتنظيف مياه النيل؛ وتحويل الأكياس البلاستيكية إلى منتجات صديقة للبيئة، ولها طابع إبداعى يجذب كثيرين إلى اقتنائها، ليدركن بذلك عظمة عملهن فى الحفاظ على البيئة من خلال إعادة التدوير، فضلاً عن توفير مصدر دخل دائم يساعدهن على عيش حياة كريمة.
«فاطمة»: نصنع منتجات صديقة للبيئة
خلال جولة «الوطن» بمقر المشروع، أوضحت فاطمة محمود، إحدى مشرفات مبادرة «فيرى نايل» أن ورشة عمل السيدات تأسست منذ نحو عامين ونصف تحت مسمى مشروع «فيرى نايل دوت شوب»، وهو مشروع تابع لمبادرة تعمل فى إطار بروتوكول تعاون مع وزارة البيئة بهدف تنظيف النيل من المخلفات بحلول 2030، إذ يقوم الصيادون بجمع القمامة من نهر النيل، ومن ثم تسليمها لمقر المبادرة فى جزيرة القرصاية لفرزها وإعادة تدويرها.
وتقول «فاطمة»: «فى بداية الأمر اعتمدت ورشة عمل السيدات على استخدام البلاستيك الذى يجمعه الصيادون، ولكننا لاحظنا تهالك الكثير منه، بما لا يخدمنا فى تقديم منتجات عالية الجودة، مما جعلنا نحصل على البلاستيك فى شكل تبرعات من البيوت وبنك الكساء والمؤسسات، لنصنع منه منتجات صديقة للبيئة كشنط السوبر ماركت والطواقى، وشنط اللاب توب، ومحافظ يد، وغيرها».
وعلى الجانب الآخر، يتم توريد المخلفات البلاستيكية التى يجلبها الصيادون من النيل إلى مصانع صناعة الفايبر المستخدَم فى عمل المراتب، كما يتم توريده إلى مصانع الأسمنت، لاستخدامه كمصدر بديل للطاقة، حسب حديث مشرفة «فيرى نايل».
ونظراً لثقافة الصيادين الرافضة لخروج زوجاتهم للعمل خارج الجزيرة، فقد مثلت ورشة إعادة تدوير البلاستيك فرصة لهن للعمل قُرب منازلهن، وبما يتوافق مع عاداتهن، وتمكن المشروع من استقطاب 9 سيدات حتى الآن، وتتوزّع الأدوار فى ما بينهن، بداية من فرز البلاستيك حسب لونه ونوعه، ثم تنظيفه وتعقيمه، لتأتى مرحلة تحويل البلاستيك إلى خامة شبيهة بالقماش من خلال وضع أكياس الزبدة فوقه وكيها، ليتم بعد ذلك تصميم أشكال منتجات مختلفة، لتدخل بعد ذلك المرحلة الأخيرة وهى مرحلة الخياطة وتقفيل المنتج.
وتضيف «فاطمة» أنه بعد الانتهاء من تحويل البلاستيك إلى منتجات، كشنط «لاب توب» أو محفظة يد، يُطبع عليها شارة مدون بها اسم الشخص الذى صنع القطعة وعدد الأكياس التى احتاجها المنتَج: «كل منتج يحتاج فى المتوسط من 4 إلى 5 أكياس، وهناك منتجات تستهلك 18 كيساً».
بعد ذلك تتولى إدارة المشروع تسويق المنتجات وبيعها، سواء «أونلاين» على «فيس بوك وإنستجرام»، أو بالمشاركة فى المعارض، وتتراوح أسعار القطع التى يتم إنتاجها فى الورشة ما بين 85 وصولاً إلى 500 جنيه، كما استطاع المشروع بيع منتجات السيدات لشركات وكيانات كبرى، كالاتحاد الأوروبى.
الخمسينية «أم كمال» روت لنا حكايتها مع العمل فى المشروع منذ تأسيسه، عندما أبلغها به زوجها الصياد، وتلقت دورة تدريبية عن مراحل تحويل البلاستيك إلى منتجات وسلع إبداعية، وتقول: «أتولى مهام التطريز، كما أقوم بعمل كروشيه بالبلاستيك وباسكت للمهملات، وساعدنى المشروع على توفير دخل ثابت أساعد به زوجى فى مصاريف المعيشة والإنفاق على أبنائى الثلاثة».
وعبّرت إسراء هانى، 20 عاماً، عن سعادتها بالعمل فى ورشة إعادة تدوير البلاستيك؛ لأنها وظيفة فريدة أضافت إليها مفاهيم جديدة حول كيفية الحفاظ على البيئة من التلوث، فضلاً عن توفير النفقات التى تساعدها فى تجهيز نفسها بعد حصولها على دبلوم التجارة: «أقوم برسم تصميمات المنتجات، ثم تصفيتها على البلاستيك، وأساعد فى تطريز القطعة».
«هيام»: كسبت وعالجت أبنائى من شغل الورشة
واستطاعت السيدة الأربعينية هيام محمد توفير نفقات علاج أبنائها الثلاثة من ذوى الهمم بعد التحاقها للعمل بالورشة منذ نحو عامين، وهى تقوم بعدة مهام فى المشروع، أولاها القيام بفرز البلاستيك بعد تسلمه، ثم تنظيفه وتعقيمه، لتأتى بعد ذلك خطوة كيه: «أهم خطوة فى عملية إعادة تدوير البلاستيك هى التنظيف، لأن البقعة الصغيرة قد تتسبّب فى تلف باقى خطوات الصناعة».
ويقوم أحمد سيد، 39 عاماً بالخطوة الأخيرة فى صناعة المنتج، وهى خطوة الخياطة وتقفيل القطعة، كما يساعد السيدات فى مراحل الصناعة، خاصة فى ما يخص تصميم الأشكال الإبداعية، ومن ثم قصها: «كنت أعمل مساعد مصمم أزياء خارج جزيرة القرصاية وعرض علىّ أحد المؤسسين الانضمام إلى المشروع لخياطة المنتجات التى يصنعها السيدات من البلاستيك ووافقت على الفور، وأقوم بتدريب السيدات على استخدام ماكينة الخياطة».