يعتمد صحفيو القطعة على ما ينشر لهم من مقالات في الصحف والمواقع الإخبارية التي يعملون لحسابها لتأمين دخل جيد، لكن ما يمنح لهم كتعويض لا علاقة له بنفقات اعداد المادة ولا بالوقت الذي يتطلبه ذلك، فهو ليس الا تعويضًا تراكميًا يعطى في نهاية شهر أو شهرين بحسب ما نُشر للمتعاون من مواد.
تعتبر مهنة الصحافة من بين أكثر المهن إرهاقا واستهلاكا للوقت والمال، ومع ذلك، فإنّ الكثير من الصحفيين لا يتقاضون ما يكفي احتياجات حياتهم اليومية، خاصة الصحفيين المستقلين أو صحفيي القطعة الذين يعمل أغلبهم بلا عقود رسمية تضمن لهم حقوقهم، ويتقاضون تعويضات زهيدة، ويتحملون تكلفة الاتصال والتنقل إلى مكان الحدث من دون أن يكونوا متأكدين ان ما يكتبونه سينشر وبالتالي سيتقاضون تعويضات عنه.
وفي غياب أي عقد يربط المؤسسة الاعلامية بالمتعاون بـ"نظام القطعة"، يجد الصحفي نفسه بين ليلة وضحاها بدون عمل بعد ان تتخلى الصحيفة عنه لأي سبب، وفي أغلب الأحيان يتم ذلك ليس فقط بدون دفع أي تعويض عن سنوات العمل، بل من دون دفع مستحقات المتعاون عن اعماله المنشورة في الأشهر الأخيرة كنوع من العقاب له او امعانا في استغلال عدم وجود عقد يلزمها بذلك.
وتقول خديجة الطيب، الصحفية الموريتانية التي سبق ان عملت سنوات بنظام القطعة إنّ "الكثير من الصحفيين المتعاونين يعملون في عدة صحف في محاولة لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فنظام القطعة (الفريلنسر) لا يضمن استقرارا وظيفيا يساعد الصحفي على العمل بحرية فلا راتب جيدًا ولا تأمين صحيًا واجتماعيًا".
وتضيف ان "معظم المؤسسات الصحفية تستغل الصحفي سواء المبتدئ أو المتعاون، ففي البداية يعمل الصحفي وفترة التدريب قد تمتد لأكثر من ستة أشهر ولا يتقاضى شيئا لا راتبا ولا تعويضا عن التنقل، حيث تستفيد المؤسسة الصحفية من مواده بدون أدنى تعويض، ثم بعد فترة يتم الاتفاق معه على العمل بالقطعة بشكل شفهي وبلا عقد مع وعود زائفة بالتعيين بعد فترة.. وأحيانا يتم التفاوض معه بـعقد عمل حر".
وتشير الى ان صحفيي "القطعة" في موريتانيا ليسوا فقط متعاونين أو مبتدئين قبلوا بنظام القطعة بسبب ظروف البدايات، بل انهم صحفيون لهم باع طويل في المهنة لكنهم لم يجدوا بديلا عن العمل بهذا النظام بسبب الظروف التي تعانيها المؤسسات الصحفية وانخفاض مستوى الراتب عن الحد الأدنى للأجور.
ويؤثر تراجع الدعم العمومي للصحافة غير الحكومية وتشديد شروط الاستفادة من مزايا الاعلانات والاشتراكات الحكومية وتراجع معدلات التوزيع، على عمل المؤسسات الصحفية الخاصة في البلاد، وعلى التزاماتها تجاه عمّالها، فبينما تكتفي بعض المؤسسات بالصحفيين المثبتين وترفض انتداب متعاونين منعا للمواجهات والمطالب الناتجة عن ضعف التعويضات، تلجأ أخرى الى التعاون مع صحفيين بنظام القطعة خاصة في المناطق البعيدة بدل تعيين مراسلين رسميين، وتفضل أخرى انتداب متعاونين بنظام القطعة والاستفادة من تغطياتهم وكتاباتهم اليومية بدل الصحفيين المثبتين لأنهم اكثر حماسة واقبالا على العمل الميداني.
واذا كان للمؤسسات مبرراتها في اختيار المتعاونين بنظام القطعة، فلماذا يقبل الصحفي العمل بنظام القطعة والحصول على تعويض قد لا يكفي مصروفه اليومي وتكلفة تنقلاته؟ سؤال يجيب عنه الخبير في مجال الاعلامي محمد سعيد الناجي، فيقول: "أحيانا يعمل الصحفي في أكثر من مكان ولصالح عدة جهات في الصحف والمواقع المحلية والخارجية وفي الفضائيات في محاولة لتوفير راتب مناسب، وأحيانا يقبل شروط بعض المؤسسات بالتفرغ والعمل حصريا معها في مرحلة البدايات وللاستفادة من الخبرات وتنمية العلاقات والمصادر".
ويضيف: "تدفع الوضعية السيئة التي يعانيها المجال الإعلامي الصحفي الى القبول بنظام القطعة لأنه يكون في حاجة ماسة للعمل وللتعويض المادي فأحيانا تكون اقصى أحلامه هي ان يجد اسمه في صفحة الجريدة وفي كشف حسابات المؤسسة آخر الشهر... وفي الكثير من الأحيان يأتي المتعاون آخر الشهر ولا يجد تعويضه مما ينعكس سلبا على أدائه المهني".
ويشير الى ان الصحفي حتى لو كان متعاونا أو مبتدأ تحت التمرين يجب ان يتقاضى تعويضا مناسبا للحفاظ على جودة انتاجه واستقلالية قلمه، خاصة ان الفساد في مجال الصحافة يترك آثارا مدمرة على المجتمع.
ويعتبر الخبير ان المستوى المتدني لتعويضات المتعاونين وتأخر تسديدها لأكثر من شهرين، أمر غير مقبول ويقع على عاتق نقابة الصحفيين التي تخلت عن مسؤوليتها تجاه الصحفيين المستقلين، ودعا الى فتح نقاش حقيق حول عقود وتعويضات الصحفيين العاملين بنظام القطعة على المستوى المحلي والعربي، ووضع لوائح تنظم أجورهم وحقوقهم من تأمين وتعويض.
ويؤدي غياب الشفافية المالية في الكثير من المؤسسات الإعلامية بموريتانيا الى تنصل مسؤوليها من حقوق بعض العاملين بداعي عدم قدرة المؤسسة على دفع الأجور، لكن التفاوت الكبير بين رواتب رؤساء التحرير والصحفيين الرسميين، وبين التعويضات الضئيلة للمتعاونين، يؤكد أن هاجس استغلال صحفي القطعة هو السبب في عدم توزيع الأجور بعدالة حسب أرباح المؤسسة وميزانيتها وحسب قدرات ومهارات الصحفيين.
ويطالب المهتمون بالقطاع الصحفي الصحفيين العاملين بنظام القطعة بالتقدم بشكوى لكل المؤسسات المعنية للدفاع عن حقوقهم واجبار الصحف على تحمل أعباء العاملين والحفاظ على كرامتهم وتحسين أوضاعهم.
هذا المحتوى منشور على موقع شبكة الصحفيين الدوليين ijnet
بواسطة:سكينة اصنيب
Topics that are related to this one