الصحافة والقصص القصيرة

للأدب رونق خاص، وأشكال متعددة، واتجاهاتٍ ونواحٍ وأفق كثيرة، ألقت بظلالها على الصحافة مُذ أن حدث التلاحم بين الأسلوب الأدبي والقصصي وبين الأسلوب الصحفي، لتظهر بعض الكتابات المعروفة بأسلوبها التقريرى المتأدب، وحتى بدأ الأدب يأخذ مساحات كتابية واسعة من الصحافة، تطورت لتأخذ صور مختلفة، كان أبرزها الأدب المتعلق بالقصص القصيرة.

اتجه بعض الأدباء إلى استغلال الصحافة في نشر الأعمال الأدبية خاصتهم على صفحات الجرائد، وهو ما أدى إلى انتشار الاتجاهات الأدبية على أوراق تلك الصحف، ولذا اتجه الروائيون إلى نشر أعمالهم القصصية في الصحف وعملوا على تقديمها في أبواب خاصة بالأعمال الأدبية، وقد ظهرت تلك الاتجاهات مع بدايات القرن العشرين إذ كانوا في مسعى لإيجاد قنوات تعرض قصصهم للقراء بسبب عدم رواج حركة القصص القصيرة الأدبية في ذلك الوقت، الذى تزامن مع التوسع في العمل الصحفي وانتشاره، فوضع الكتاب نصب أعينهم نشر قصصهم القصيرة في الصحافة وإبرازها.

من هنا، تكلم المحللون الصحفيون والأدباء كثيراً عن علاقة الأدب بالصحافة وتأثير أحدهما بالآخر وتأثره به، فقد ارتبطا ارتباطاً قوياً، ولكنهما ما لبثا أن انفصلا، مما تسبب في انزواء الأدب من جهة، وجفاف أسلوب الصحافة من أخرى.

ظهرت في السنوات المتأّخرة محاولات جدية لربط فن القصة القصيرة بالصحافة فى الصحف العربية وفي وسائل الإعلام المختلفة وذلك من خلال إيجاد صيغ وأشكال جديدة في نقل الأحداث، تبنى بشكل كبير على مفهوم القصة، ومن المعروف أن الأخبار كانت منذ أقدم العصور تروى على شكل قصص إخبارية بدائية، ثم تحولت بعد تطورت وسائل نقل الأخبار لتصبح صيغ خاصة سريعة ومركزة ومختصرة، توفيراً للوقت والمال، ومع السنوات وتطور آليات نقل المعلومات أكثر، والإحساس بضرورة مراعاة الجانب الإنساني في نقل الأخبار، ومن هنا ظهرت هذه المحاولات للرجوع إلى طريقة عرض الأخبار والتقارير على شكل قصص صحفية، وأصبح لهذه  المحاولات في الغرب مدرسة عريضة وظفت القصة في عرض الأخبار والتقارير والتحقيقات.

وأصبح لهذه الطريقة في العرض انتشار واسع في الصحافة الغربية، فقد تصل في بعض الصحف الأميركية إلى ٥۰%، حتى أن معظم الأخبار اليوم في الصحافة الأجنبية تسمى news stories  أي قصص خبرية، والتي تقوم على التركيز على الجانب الإنساني للحدث، وتنطلق من قصة شخص إلى الحالة التي يريد الكاتب تناولها، ولكن استخدام القصة الصحفية - مع الأسف - محدود جداً في الصحافة العربية، وإلى الآن لم تكتمل صورة هذا الفن الأدبي الصحفي ولم يبرز فيه كتاب صحافة أدبية يشار إليهم كما في الغرب، وهذه القلّة لا تنفي وجود مئات القصص الصحفية الناجحة المبثوثة في الصحف والمجلات العربية التي شارك في كتابتها عشرات الصحفيين المبدعين.