المصري اليوم
94%
نسبة التقييم

حفيدة طه حسين تفتح «خزائن ذكريات عميد الأدب العربى» لـ «المصري اليوم»

حفيدة طه حسين تفتح «خزائن ذكريات عميد الأدب العربى» لـ «المصري اليوم»
كان يرفض «تقبيل يديه».. وأحبَّ «البيض بالعجوة» وشاى العصارى


«التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن..أحسن المعرفة معرفتك لنفسك وأحسن الأدب وقوفك عند حدك.. السعادة هى ذلك الإحساس الغريب الذى يراودنا حينما تشغلنا ظروف الحياة عن أن نكون أشقياء».. تلك العبارات الرائعة بعض من كلمات طه حسين المأثورة والتى استقرت فى كيانه واقتنع بها قبل أن ينطق بها.. كما ذكرت لنا حفيدته سوسن، نجلة أمينة ابنة عميد الأدب العربى، فى حوار لـ«المصرى اليوم» ضمن سلسلة «رحيق العباقرة»، التى أكدت أنها رأت فى جدها كل هذه المعانى، فهو المشجع الكبير للتعليم، كما أنه الإنسان المؤدب والعارف لقدره تماما والذى لم يتجاوز قط مع أصغر البشر، أيضا فهو الشخصية المقبلة على الحياة والمبتهج دائما بما أعطاه الله برغم الظروف الصعبة التى عاشها.. فهو المحب العاشق لزوجته، كما كشفت عن قصة الخطابات المتبادلة بينه وبين جدتها. شرحت لنا حفيدته كيف كانت طباعه ووصفته بأنه صعيدى ظل محافظا على قيمه ومبادئه حتى فارق الحياة. وروت سوسن حكاياته مع الجناينى والسفرجى وحبه للبيض بالعجوة، ورفضه أن يقبل أحداً يديه، وتطرقت لطقوسه فى المنزل منذ استيقاظه مبكرا وحتى خلوده للنوم.. وإلى نص الحوار:



■ فى البداية نريد نبذة عن أفراد أسرة طه حسين؟

- الأسرة الصغيرة عبارة عن «أمينة» و«مؤنس» وهما أبناء طه حسين، فيما أنجبت أمينة 3 أبناء: أنا وحسن ومنى، أما مؤنس فلديه بنت سماها أمينة، بينما توفيت والدتى وخالى، ويعيش الأحفاء حاليا ما بين مصر والخارج.

■ كم كان عمرك لحظة وفاته؟

- كنت فى الثالثة والعشرين، أدرس فى الجامعة عام 1973.

■ هل تتذكرين يوم وفاة جدك؟

- نعم كنت وأسرتى بأمريكا، حيث كان أبى وزيرا للخارجية، وجاءنا الخبر بوفاة جدى وكان صادما لنا جميعا، انهارت على إثره والدتى، وعدنا إلى مصر، وظهرت جدتى بغاية الألم والحزن لفراق زوجها وشريك حياتها الذى أحبته حباً جماً لا يمكن وصفه، والصراحة كانت هناك حالة حزن واضحة على المصريين بشكل عام.

■ ما أبرز طباع طه حسين كونك حفيدته وكنت مقربة منه؟

- جدى كان شخصية صعيدية لكنها متحررة، بمعنى أنه كان يتمتع بكرم وحفاوة ونبل وشهامة وأدب الصعايدة وفى نفس الوقت اتسمت تلك الشخصية بالتحرر والمدنية والميل لفك قيود الرجعية، وتمثل ذلك مثلاً فى أنه سمح لابنته «أمى» بالدراسة فى الجامعة والسفر فى رحلات وأيضا أعطاها الحرية فى العمل والتنقل لدرجة أنها كانت ضمن حملة تطوعية لعلاج مرضى الكوليرا التى تنقلت بين صعيد وربوع مصر وحدث ذلك فى وقت لم تكن الفتاة حصلت على تلك الحقوق خاصة أن والدها كان ينتمى لجذور صعيدية وأتذكر أشياء كثيرة عن كرمه حيث كان دائم العطاء لأى إنسان يصادفه فنحن الأطفال لم ينقطع عن إمدادنا دائماً بالحلوى والبسكويت والهدايا وأيضا أبناء العمال كان يعطيهم ما يعطيه لنا وأتذكر أننى كنت أقضى معظم وقتى أثناء تواجدنا فى مصر معه فى منزله، وكان لنا درج خصصه لحاجات الأطفال التى نحبها، ومن طباعه أيضا أنه كان هادئاً بعيداً عن العصبية دائم الضحك، واجتماعياً وليس منغلقاً على نفسه، متجدداً ويبدو على ملامحه وأحاديثه الأمل المفعم، كما بدا ودوداً مع الجميع متصالحاً مع نفسه مقبلاً على الحياة يعرف الأصول، وهناك قصة تحكى عن ذلك فقد ألغى فرح والدتى بسبب مرض والد خطيبها فى ذلك التوقيت، وقال «مافيش فرح وحماكى مريض افرحوا فى البيت على الضيق».

■ ذكرت أنه كان ودوداً مع العمال وأبنائهم.. ماذا تقصدين؟

- كان لديهم جناينى وطباخ وسفرجى وبعض العمال فى الحديقة الملاصقة لمنزله بالهرم الذى تحوّل بعد وفاته إلى متحف طه حسين، المهم أن هؤلاء العمال ارتبطوا مع جدى بعلاقة أقرب إلى الصداقة حيث كان قريباً منهم والأكثر من هذا أنه كان مهتماً لدرجة كبيرة بأبنائهم وأتذكر ذات مرة أننى سمعته يحدث أحدهم بصوت عالٍ قائلا«ماينفعش اللى بتعمله ده.. الولد لازم يتعلم سامع كلامى»، وعلمنا أنه متعصب على عبدالله الجناينى وهى لم تكن عادته، ولكن عرفنا أن الجناينى أخرج ابنه من المدرسة، وعندما سأله جدى صارحه بذلك مما أغضبه وطلب منه أن يقدم ابنه للمدرسة فى اليوم التالى، واستجاب الرجل لثقته فى جدى، وظل يساعده حتى استقرت أموره، وأكثر الأشياء التى عرف بها طه حسين فى محيط المنزل والعائلة والأصدقاء هو سؤاله المستمر عن أبناء من يعرفهم بقوله: «أولادك بيدرسوا»، مما يوضح مدى حرصه على تعليم الأطفال والأبناء جميعاً.

■ وهل فرض على أحد من أسرته دراسة بعينها؟

- أبدا لم يفعل ذلك طوال حياته، كل ما يعنيه هو أن يرى كل من حوله فى الدراسة، حيث كان شغوفا بالعلم، وأتذكر عندما عدنا من أمريكا للاستقرار بمصر رغبت جدتى فى أن تكون دراستى وأشقائى بالفرنسية، بينما أبدى رغبته هو فى أن نتعلم بالعربى، وكانت وجهة نظره أننا نعرف الإنجليزى جيدا بطبيعة نشأتنا فى أمريكا، ولكن دخلنا مدارس فيكتوريا إنجليزى عربى ما يعنى أنه لم يكن صاحب فكر متسلط أو رغبة فى فرض رأيه على أحد أبدا ولم يطلب من أبنائه أمينة ومؤنس أن يتخصصا فى شىء معين بل ترك لهم مطلق الحرية.

■ وما الأكلات التى أحبها؟

- لم يحب الأكل مطلقا وواجهت جدتى دائما مشكلات فى هذا الجانب حيث عاش ضعيف البنيان نحيفا جدا بسبب ابتعاده عن المأكولات، وكانت تعامله زوجته وكأنه طفل صغير، حيث اعتادت التوسل إليه أملا فى أن ينهى جزءا معينا من الأكل الذى تقدمه بيديها، لكنه كان يرفض، فقط لم يحب سوى البيض بالعجوة، وأتذكر واقعة طريفة عندما جاء سفرجى جديد للعمل فى المنزل فقابلته جدتى وكانت مهتمة دائما بتفاصيل دقيقة للعمال من حيث النظافة والالتزام والدقة والمظهر العام، بينما كان سؤال جدى الوحيد الذى وجهه للرجل «أنت بتعرف تسوى بيض بالعجوة» وعندما أجابه بنعم يا فندم قال لجدتى ده كويس جدا لازم يشتغل، وبالفعل نجح فى المقابلة غير ذلك لا أعرف يوما أنه أحب أى شىء من الأطعمة، لكنه عاش يهوى السجائر التى غيرت لون أصابعه بسبب الدخان، حيث لم تفارقه سوى قبل وفاته بسنوات قليلة عندما أصر الأطباء على الابتعاد عنها، وأتذكر أنه كان يخفى السجائر فى أدراج المكتب بعيدا عن زوجته.

■ كيف كان يقضى يومه؟

- كان يصحو من النوم مبكرا، ويجلس مع جدتى حيث يتناولان الإفطار والشاى معا، وبعد ذلك يتجه كل منهما إلى غرفته حيث كان لكل واحد غرفة خاصة به، وكانت الغرفة الكبرى لها بينما الصغيرة من نصيبه كونه ضريرا ويمكنه استيعابها تماما، ويظل كل منهما فيها صباحا لمدة ساعة أو أكثر حيث تقيم هى شعائر دينها، بينما يجلس جدى بمفرده داخل غرفته لقراءة القرآن الذى واظب عليه حتى وفاته بعد ذلك يخرجان للجلوس معا، وكانت تقرأ له نهارا، بينما هناك سيدة تدعى مدام غنيم كانت تأتيه مساء للقراءة، وجاءت تلك السيدة لمساعدة جدتى التى أرهقها العمل فى المنزل وكبر سنها، أما الغذاء فكان له توقيت ثابت بعد الظهر، وأكثر عادة كانا حريصين عليها هى تناول الشاى بعد العصر معا ثم يجلسان للتحدث وتبادل الآراء فى شتى أمور الحياة، أيضا كان لهما طقوس ليلية وهى سماع الموسيقى الكلاسيكية التى أحبها عن طريق زوجته التى عاشت بطريقة منظمة وجميلة وأيضا حرصا على المشى، وخاصة فى طريق الفيوم وركن حلوان، حيث خصصا يوم الجمعة للخروج إلى الطبيعة، وكانت تشرح له الأجواء من حولها كما أنهما اعتادا النوم مبكرا.

■ هل تذكرين أى نقاشات بين طه حسين وزوجته فيما يخص الأديان كونها لم تكن مسلمة؟

- أبدا لم أستمع إلى ذلك مطلقا، وأيضا ذكرت لى أمى أنه كان يحترم ديانة زوجته لأبعد درجة، وقد حرصت هى على الذهاب للكنيسة يوم الأحد من كل أسبوع لأنها كانت متدينة جدا، وأقامت شعائر دينها فى المنزل بمنتهى الراحة والحب.

■ ما الأشياء التى كان يكرهها عميد الأدب العربى؟

- لم يحب الطائرات والأشخاص الجهلاء، وكان يقول أكثر حاجة بتضايقنى أنى أتعامل مع واحد مغرور «عامل نفسه فاهم فى كل شىء»، هناك أمر كان يزعجه، حيث يرفض تقبيل الأيادى، وأتذكر أن والدى طلب منى وأشقائى تقبيل يد جدى الذى رفض، وقال له لا تعود أطفالك على تقبيل يد أحد حتى أجداده.

■ اذكرى لنا اللحظات الصعبة فى حياة جدك؟

- بالطبع أول شىء ممكن أذكره هو حزنه وألمه لوفاة والدته فقد أحبها كثيرا، وتعلق بها إلى درجة لا توصف، وعندما توفيت ظل فترة طوية متأثرا وحتى توفاه الله كانت حاضرة فى ذهنه دائما، ويدعو لها باستمرار، أيضا نكسة 1967 والعدوان الثلاثى من الأشياء التى أحزنته جدا.

■ هل كان يطلب أشياء بعينها فى ملابسه أو ألوانا بذاتها؟

لا أتذكر أنه طلب لونا معينا أو ملابس بالتحديد، فقد كان يترك تلك المهمة لزوجته التى نجحت فيها، وظلت تشترى له الملابس بذوقها وقد كان محبا لها ولذوقها واعتاد على ارتداء البيجاما فى المنزل ولم أره أبدا بجلباب أو عباية.

■ كيف كانت علاقته بأصدقائه؟

- حافظ على الود مع الجميع وتعامل مع أصدقائه وأقربائه بحب واحترام، وهناك موقف لم ينسه هو وزوجته، حيث ارتبطا بالرسام والفنان الأشهر محمد محمود خليل وزوجته، التى كانت فرنسية، حيث أعجبت جدتى بمقتنيات ولوحات خليل، وقالت لهم فى أثناء زيارة أسرية «أشياؤكم جميلة جدا وذوقكم عالى أوى» فردت عليها زوجة خليل قائلة «كل ده لا يساوى شيئا أمام أطفالكم»، وبالطبع كان لهذا الجواب أثر صعب فى نفس جدى وجدتى، لأن أصدقاءهما لا يملكون أطفالا وظلا يتذكران هذا الموقف ويرددانه.

■ وماذا عن علاقته بأهله؟

- كان بارا جدا بأهله ووالديه وحرص على السفر للصعيد لزيارة عائلته وأشقائه، وأيضا كان منزله مفتوحا لهم فى أى وقت يأتون إليه لزيارته ورؤية الأسرة ومعروف عن جدى إخلاصه لأهله وكرمه الشديد معهم، لأنه تربى على عادات وتقاليد الصعيد وانغرست تلك الطباع بداخله واعتاد عليها حتى مماته.

■ وكيف تعامل مع أبنائه؟

- كان جدى صديقا لابنته وابنه وتحكى لى أمى أنها كانت قريبة لوالدها أكثر من نجله مؤنس، بمعنى أنها كانت صديقة مقربة جدا منه، بينما كان خالى على علاقة صداقة قوية بوالدته وعاش الأربعة حياة أسرية فيها حميمية وحب وسعادة بفضل الله وطبيعة تعامل الأم والأب ومن هنا تعلمنا أن تربية الأبناء بالعلم والثقافة والعادات الأصيلة والتحرر المحسوب أكبر ما يمكن أن يقدمه الوالدان لفلذات أكبادهم.

■ اشرحى لنا طريقة معالجته لمشكلاته فى العمل التى مثلت زخما إعلاميا ضخما، مثل فصله والهجوم عليه والاتهامات التى وجهت له على كتبه مثل «الشعر الجاهلى»؟

- لم يكن محبا للحديث عن أوجاعه بشكل عام، وخاصة شغله، وكان فى المنزل شخص كأنه يعمل من أجل البيت فقط لا يشغل من حوله بمشاكل عمله أبدا ولا أتذكر يوما أن اشتكى من شىء من هذا القبيل، وتحكى لى أمى أن والدتها كانت تحاول أن تخفف عنه، ولكنه يقول لها دائما بما يعنى «ما تشغليش بالك».

■ ماذا مثلت النساء فى حياة عميد الأدب العربى وهل أحب أحداً غير زوجته؟

- كان رقيقا جدا مع النساء راقيا فى تعامله معهن جميعا، وبدا ذلك واضحا فى كل كتاباته وتصرفاته وكان عطوفا على نساء بيته جدا قريبا منهن مستمعا جيدا لمشاكلهن وآرائهن ومتفاعلا مع أفكارهن، ولاحظت ذلك بنفسى عندما كنت ألجأ إليه فى ضائقة أو مشكلة، حيث يترك ما بين يديه ويجلس معى ولا يتركنى إلا وأنا هادئة ومطمئنة، وبات المكان الأمن والمريح لنا جميعا، فالحديث معه فى حد ذاته راحة وطمأنينة وكان متحررا يبتعد عن فرض القيود على المرأة محباً لإعطائها فرصة الحركة والتعبير عن نفسها مقتنعاً أن بذلك يمكن أن تنتج شخصية ناجحة مفيدة للأسرة والمجتمع على السواء، ولم يحب سوى زوجته التى عشقها من كل قلبه.

■ هل المحنة التى عاشها كونه ضريراً منذ طفولته كانت تمثل له ضيقاً؟

- لم أشعر مطلقاً بهذا الأمر والفضل فى ذلك إلى زوجته التى صورت له الحياة من حوله وكأنه يرى كل شىء وأنا شخصياً اكتشفت أنه ضرير فى سن متأخرة تقريبا فى الخامسة من عمرى عندما طلبت منه شيئا، ولم يستطع أن يقدمه لى لكن هو لم يفكر فى الأمر أبدا وعاش يرى بقلبه وعيون زوجته التى أحبها كما أحبته كثيرا.

■ حدثينا عن كواليس قصة حب طه حسين وزوجته سوزان؟

- كانت سوزان تبحث عن عمل أثناء وجود جدى فى فرنسا وكان ذلك وقت الحرب العالمية الأولى تقريبا وقد أرشدها أحد إلى أن هناك طالبا ضريرا يرغب فى أن يقرأ له أحد كتبه ودراساته وبالفعل حدث، وعملت معه، وظل معا فترة من الزمن حتى جاء وقت عودته لمصر فصارحها بحبها ويرغب فى الزواج منها لكنها أرجأت الأمر وقالت له أحتاج لفترة من الوقت للتفكير. وفعلا رجع مصر وكتب لها خطابا به عبارات الحب والشوق مكررا لها رغبته فى الزواج فردت عليه الرسالة بأنها تنتظره فى فرنسا وبعدها يمكن أن يتناقشا فى الأمر وعندما عاد لباريس حددت له موعدا مع أسرتها والتقاه شقيقها وكان قسيسا وتحكى لى أمى أن هذا القسيس قضى مع جدى ساعات طويلة تحدثا فيها عن كل شىء انتهت بقناعته التامة بالعريس.

وعاد لشقيقته وأسرته قائلا لهم إن طه حسين رجل محترم وصاحب عقلية متفتحة ولديه علم كبير وشخصيا موافق وأتمناه زوجة لكِ، وتزوجا وعاشا فى فرنسا سنوات حتى رجعا معا لمصر واستقرا فيها وشاهدت بنفسى كيف كانا يحبان بعضهما وأكثر ما أعجبنى اهتمام جدتى بزوجها حتى بعد وفاته واحترامه هو لها فى كل الأوقات فقد كانت تخاف عليه وتنظم له كل شىء من مواعيده وعمله وطعامه، وتنظف له غرفته، وترعاه كأنه رضيع بين يديها.

■ ما مظاهر تدليل كل منهما للآخر؟

- جدى كان بيدلعها ويقولها يا سوز، ولا يخجل أبدا فى أن يطلق هذا الدلع بين الموجودين، وهما كبار بالسن، وكان يحب أن يأخذ بخاطرها، ويسعدها، فقد كان يبدو عليه الرومانسية أكثر منها، وعرفت أنه قال لها إن ربنا رزقها بحفيدة وسماها والدها سوسن على اسم سوزان. وقد قصد من وراء ذلك إدخال السعادة والسرور على قلب محبوبته العجوز بينما هى اعتادت على ان تدلله بالفعال مثل الموسيقى والعزف على البيانو الذى اشتروه بعد فترة من ادخار مال لهذا الغرض وكانت جدتى موهوبة فى اللعب على البيانو حيث اعتادت على عزف مقاطع موسيقية جميلة بها حب ومشاعر أثناء تواجده بجوارها فضلا عن اهتمامها المبالغ فيه خوفها الكبير عليه وابتسامة وجهها عند عودته من خارج المنزل، فقد كان وجهها يظهر فيه السعادة والراحة والاطمئنان عندما تسمع صوته وتراه بعد دخوله البيت لم أرها سعيدة مثلما يبدو عليها عند مشاهدة زوجها فور عودته من عمله وكانا يتحدثان معا داخل المنزل بالفرنسية وجدتى كان العربى لديها ضعيفا ولدينا خطابات بينهما أثناء سفره للخارج بدونها حيث اتضح منها مساحة كبيرة من العواطف وظهرت فيها المشاعر الجياشة. فمثلا عاتبته قائلة: زعلانة منك؛ لم أستلم منك جوابا أمس.

واللطيف فى الأمر أن الأولاد ساروا على نهج آبائهم وأصبحوا يسطرون رسائل بينهم وأسرهم عند ابتعادهم عن بعض.

■ وماذا عن علاقة كل منهما بعائلة الطرف الآخر؟

- من ناحيتها كانت تحب كل من يحبه زوجها، وعاشت طيلة حياتها على علاقة جميلة مع أسرة جدى، وكانت كريمة جدا معهم وتقابلهم دائما ببشاشة والأكثر من ذلك أحبت بلده فى الصعيد وكثيرا ما كانت تسافر معه المنيا.

وهو كان دائم السؤال على أهلها فى فرنسا وشجع والدتها على الحضور لمصر وقد زارتهما فعلا مرات عديدة هنا، وقالت أشعر كأننى فى منزلى ومصر فعلا بلدى لحفاوة الاستقبال والجمال الذى شاهدته هنا بالفعل.

■ ماذا عن مرضه؟

- أكثر ما عانى منه جدى آلام الظهر، حيث أجرى عملية جراحية، وفشلت، وعاش سنوات طويلة بهذه المشكلة، وكان لا يستطيع الحركة فى كثير من الأوقات.

■ هل ترك طه حسين تركة بعد وفاته؟

- تركته الحقيقية علمه وفنه الذى نفخر به ونحياه وتربيته الكريمة لنا.

والماديات لم يترك أمولا مطلقا ودار المعارف التى كان من المفترض أن تنشر أعماله لا نأخذ منها شيئا وبيننا وبينهم قضايا لأنهم توقفوا عن تنفيذ التعاقد، كما أنه لم يكن لديه سوى فيلا الهرم التى باعتها الأسرة للدولة، واشترتها وزارة الثقافة عن طريق فاروق حسنى فى عام 1992 والمؤسف أنه ما زال لنا مبلغ 100 ألف جنيه باقى ثمن الفيلا لم نحصل عليه من الدولة، وقد عانينا الأمرين للحصول عليه، لكن دون فائدة، فقد باعت الأسرة الفيلا وجزءا من الحديقة للثقافة بشرط يتحول المنزل لمتحف وبعنا جزءا آخر من الحديقة لغير الدولة وإلى الآن لا نأخذ من المسؤولين سوى تسويفات وكلام لا فائدة منه، ويبقى الحال كما هو عليه منذ ما يقرب من 40 عامًا ولا ندرى ما هى الأسباب برغم أننا قدمنا شكاوى لكل الحكومات والوزراء السابقين، كما أن المتحف للأسف لم يصبح على المستوى المأمول، ونحن بكل أمانة غير راضين عن المتحف ولا عن عدم إعطائنا باقى فلوسنا.

■ أين وكيف كانت تعيش سوزان بعد وفاة زوجها طه حسين؟

- كانت حزينة لآخر يوم فى حياتها، ورفضت العيش معنا فى منزلنا بالزمالك وبعد ضغط منا جميعا جاءت أيامًا معدودة، وعادت إلى الهرم مرة أخرى، وظلت فيها حتى قبل وفاتها بأسبوع نقلناها هنا وتوفيت، وكانت تقيم نفس الطقوس التى اعتادت عليها مع زوجها ولم تغير منها شيئا الملابس وترتيب الكتب وكل شىء ظل كما هو والأكثر من هذا أنها سافرت إيطاليا، وحجزت فى نفس الفندق الذى اعتادا التواجد فيه معا أثناء رحلتهما إلى روما، وطلبت من إدارة المكان قبل سفرها حجز ذات الجناح المخصص لفردين كأنه معها تمامًا، وكررت ذلك كثيرا.

أيضا حرصت على أن علاقات الود مع أسرته والعمال الذين أحبهم زوجها فى حياته كنت أشعر أنه لم يمت بل ما زال يعيش معها من درجة الإخلاص والوفاء الذى شاهدناه منها، ورددت دائما عبارة مات نصفى الجميل وتبقى جزء حزين.

■ ما رأيك فى الأعمال الفنية التى قدمت عميد الأدب العربى؟

- جيدة، وأفضلها فيلم «قاهر الظلام» لمحمود ياسين، وأيضاً مسلسل «الأيام» للراحل أحمد زكى.

■ ما صفات زوجة عميد الأدب العربى؟

- لم نرَ منها إلا كل حسن، فقد كانت جدتى جميلة الملامح نحيفة القوام لم يزد وزنها عن بضع وأربعين كيلو، تميزت بالحكمة والعقل النبيه تهتم بنفسها وأسرتها صاحبة أخلاق كريمة وتصرفات لائقة، فهى منظمة لأبعد الحدود ونظيفة جدا ومحبة للخير كما أنها كانت مثقفة ومتابعة للأحداث حريصة على معرفة ما يدور حولها صاحبة رأى فى كل الأمور والطريف أنها بسيطة جدا غير متكلفة تميل إلى الطبيعة فى الحياة برغم أنها صاحبت ترتيب وتزيين المنزل والحديقة إلا أنها لم تغالِ فى المقتنيات والأشياء الموجودة بمنزلها، وأحبت الحيوانات، وكان لديهم كلب داخل الفيلا كانت ترعاه والدتى، وأحبوه كثيرا، وكانت عاشقة للموسيقى والقراءة، ولم أرَ إنسانة منظمة مثلها محبة لزوجها.

وهناك شىء لا بد أن نذكره، ونردده دائما وهو أن سوزان زوجة عميد الأدب العربى أحبت مصر، بل عشقتها ورفضت طلب ابنها مؤنس السفر والإقامة معه فى باريس حيث عمله وحياته، وأصرت على العيش بالقاهرة وتحديدا فى فيلا الهرم، وكتبت ذلك فى مذكراتها، وكانت تقول دائما إن مصر بلد من أجمل بلاد الدنيا يكفى أنها بلد الحبيب، فى إشارة إلى زوجها، ولها ذكريات جميلة، كما شرحت فى مصر والصعيد والأماكن العامة التى كتبت فيها أشياء رائعة.
التقييم المفصل
هل فصل المحرر بين تعليقه والمحتوى الخبري المقدم للقارئ؟
فصل التعليق
بمقدمة المحتوى
هل نسب المحرر الصور إلى مصادرها؟
لم ينسب الصور لمصدرها
هل ذكر المحرر مصادر المعلومات الواردة بالمحتوى؟
ذكر مصدر المعلومات
حوار مباشر مع السيدة "سوسن"، حفيدة طه حسين
تم نقل النص من المصري اليوم 2018-12-16 21:57:58 تصفح أصل المحتوى
أبرز الأخطاء
وجهة نظر واحدة
حقوق الإنسان
جيد
100%
المصداقية
وجهة نظر واحدة
100%
الاحترافية
صورة بدون مصدر
67%
نشرة أخبار ميتر
للاطلاع على تقييمات المواقع الأكثر شعبية وأبرز الأخبار الكاذبة.
نحن نهتم بحماية بياناتك. اقرأ سياسة الخصوصية
//in your blade template